لست مع الفرح ولا بأي شكل من الأشكال، ولست مع طوابير المتفرجين، ولست مع مدرسة العزف المنفرد على البلادة، ولا أنتمي لشلة الصاعدين على أكتاف الوطن المسكين!!! ولا أتمنى طول العمر مع أني تجاوزت الحد كثيراً، وكان يجب أن تنقطع صلتي بالتنفس منذ وقت طويل طويل، ربما لأني أشعر بدهر ثقيل يرزح في ميلادي وكأني عشت مليون وأكثر ، ربما لهذا السبب أحمل صرخة غضبٍ دائمة وأحياناً أضعها في ميزان الوجع فأكتشف أنها صرخة احتجاج واعتراض ، لكنها لم تكن صرخة خالف تعرف أبداً، فأنا وطوال حياتي لم أطرق موضوعا ً شاذاً فيما لا يعنيني لأستقطب الإنتشار ، بل كل تفاصيل أعمالي الأدبية ودواويني وكتاباتي هي صرخات واقعية متفجرة من قلب متناثر.
ولا أذكر يوماً أني طرحت قضية من موقع المتفرجة، بل من قلب يتشظى، حتى لأتخيل أني المسؤولة الأولى والأخيرة عن سواد وبياض المأساة التي أعرضها، وحين يتشظى قلبي أشفق على الآخرين من أن تطالهم بعض شظاياه ، فأحاكم نفسي وأحنو على الآخرين المساكين، وأدرج روحي في قائمة أسمائهم دائماً. ويظل التواصل بين المسكين أنا والمساكين الذين يشعلون الغضب في قلمي ودمي فنتوحد ، ولا أتخلى عنهم مطلقا ً ، أنهم أهل الوطن الحزانى ، إنهم درجات السلم التي تتهافت عليها سيقان الصاعدين ، إنهم المهمشون وراء ستائر المطامع والمكاسب ، إنهم الذخيرة المرصودة لكل صاحب كرش وجاهة. هذا يغضبني وهذا يحزنني ، وأتحسس موقعي بين الجدارين فأحاول عدم الانفجار ...... !، أنا لا أستطيع احتمال البلادة في أتون القلم! فأمنحه حريته المكبوتة بكبت أكبر ولا أمارس إلا جزءاً من ديمقراطية الروح الجريحة عليه لأني أعرف سره ، فلو منحته جزءا ً أكبر من الديمقراطية لسال نارا ً وأحرق ورقي كله !!! وأحرق الجباه التي أحاول مسح العرق الساخن عنها، أنا لا أحتج ولا أعترض لمجرد رفع صوتي، ولكن .....أكون قد اكتويت بدماء أي قضية أتناولها فما يعود يعنيني حجم سلامتي لأنني دائماً أكون آخر المتضررين وتكون القضية قد ازدادت سقماً وأنيناً ووجعاً، وفي الواقع أني أعشق تحطيم السور الذي ارتفع على ثغور الفئران بيدي اليسرى ، أكثر من أبني قصراً كريستالياً خياليا ً بيدي اليمنى !!! وسأظل معولا ً لن يهوي على أسس سليمة حتى أهدم الكثير من مخابيء الجرذان القارضة في محاكم الظلام . فإلى كل من يتشاءم من مقالاتي ويرقعني خطبة ً عصماء في ضرورة التشبث بالفرح والتفاؤل ومنح القراء فسحة من الانفراج وأن الحياة عبارة عن جملة من (طنِّش تعش !! )... !
أقول: يخلو من الهم أخلاهم من الفطن.