صحراء الأردن جنان وارفة الظلال
اسعد العزوني
31-05-2016 01:17 PM
آن الأوان لمن استمرأ تسويق الأردن على أنه صحراء جرداء قاحلة، لا حياة فيها، وأن الأردن بلد فقير لا موارد فيه، أن يرعوي، ويعود إلى عقله ويراجع الخارطة الأردنية جيدا، ويمعن النظر في مناطق الشمال والجنوب والشرق والغرب، حيث الجنان وارفة الظلال في الشمال والغرب، تلك المناطق ذات التربة الحمراء الخصبة.
وأتحدث اليوم ليس عن هذه المناطق لأنها تحصيل حاصل، بل عن "صحراء جرداء قاحلة"، في شرق البلاد وتحديدا في المفرق، ففي يوم الثلاثاء الماضي قادتني خطاي، بحثا عن التميز، في جولة صحفية في محافظة المفرق بصحبة الصديق العزيز أبو حسام الباحث عن الترفيه عن النفس، لإجراء تحقيقات ومقابلات صحفية عن أثر اللجوء السوري على هذه المحافظة الصحراوية.
بعد التجوال في مدينة المفرق، توجهنا بسيارتي إلى منطقة أم الجمال في قلب صحراء المفرق، وفي مخيلتي جنان وارفة الظلال تنتج اللوزيات بأنواعها، مثل المشمش والدراق والخوخ والكعكة، وكان نصيبنا أن نحظى باستقبال جيد من قبل المزارع المهندس محمد النعامي صاحب مزارع النعامي، في إحدى مزارعه.
لم اكن أعرف هذا الرجل من قبل، لكنني شعرت بعد الجلوس معه والإستماع منه، أنه رجل معجزة، إذ كيف لمثله أن يغامر ويقامر ويسجل نجاحا منقطع النظير، بتحويل صحراء أم الجمال صاحبة الحدارة السوداء النارية، إلى جنان وارفة الظلال، بدون أدنى دعم حكومي أو حتى لفتة رسمية، ويضيف بهجة ما بعدها إلى تلك الصحراء القاحلة، بزراعة اللوزيات فيها، وإصباغ اللون الأخضر الدائم عليها بدلا من اللون الأصفر، وما أروع المشهد حاليا حيث نضوج الثمر، وإضفائه على الشجر بهجة ما بعدها بهجة.
المهندس النعامي وأمثاله من المزارعين الأردنيين النشامى، يستحقون لفتة من قبل صانع القرار في الأردن، لأنهم صدقوا مع أنفسهم أولا ومع الله ومع الأرد ن،بأن كانوا هم فعلا فرسان التغيير، وغيروا أرض المفرق القاحلة إلى جنان وارفة الظلال، وأنهم كانوا فعلاً على قدر أهل العزم، وهم الذين يستحقون أن يرفعوا رؤوسهم لأنهم أردنيون يحبون الأردن فعلا لا قولا، ويقدمون ولا يأخذون، لأنهم ثبتوا وثابروا وسجلوا نجاحات باهرة يستحقون التقدير عليها، بدلا من هؤلاء السياسيين الذين نراهم عبئا ثقيلا على هذا الوطن لأنهم يرونه ضرع بقرة حلوب، يريدون شفط حليبه لهم ولأبنائهم وبناتهم، وكأن الأردن خال من السكان سواهم.
هناك الكثير من الأردنيين الراغبين بالتطوير وإصلاح الأراضي الجرداء وتحويلها إلى جنان وارفة الظلال، لكنهم يصطدمون بعراقيل حكومية، وكأن لسان الحال يقول :لا تقتربوا من الأرض، لأن المنتجات الإسرائيلية الملوثة بإشعاعات مفاعل ديمونة، الذي شاخ وباق من عمره سبع سنوات فقط، لينفجر ويجر المنطقة عام 2002 إلى كارثة مدمرة تكفيكم.
مطلوب من وزارة الزراعة على وجه الخصوص، إعادة النظر في سياستها الزراعية، وتجسير الهوة بينها وبين المزارعين الأردنيين، فأرضنا بكر، وعقولنا نيرة، وسواعدنا مفتولة، لكننا مكبلين بأصفاد حكومية لا تريد لهذا الوطن أن ينهض، ونتحول من مستهلكين إلى منتجين، حتى لا ينطبق علينا تحذير جبران خليل جبران : ويل لأمة تأكل مما لا تزرع، وتلبس مما لا تصنع.
نستطيع في حال رفع الحصار الحكومي علينا أن نبدع كل في مجاله، لكن الأمر يتطلب دعما حكوميا ورعاية حكومية، وقرارا سياسيا، بقهر الحصار المفروض علينا ونسهم فيه على أنفسنا، ولو أننا إنطلقنا في الإبداع فإننا سنرى أردنّا جديدا منتجا، يعتمد على نفسه ويصدر، فهل من يعلق الجرس؟