يغادر د. عبدالله النسور الدوار الرابع، ويعود إلى داره في السلط، وهو أعلى جبيناً، وأكثر اعتزازاً فقد كان رئيساً حقيقياً أعاد إلى الدولة هيبتها. وعلّم السياسيين الهدوء والصبر. فالنسور لم يكن شاباً إلا في روحه. فقد كان «ابن الدولة».. نائباً، ومديراً ووزيراً فلم يكن هبط للرئاسة بالباراشوت.
حين يسجل تاريخ بلدنا للرئيس النسور، فهو يسجل له انه غالب الفوضى التي حمل إلينا الربيع العربي ريحها السموم ممن حولنا، فكاد بغاث الطير أن يستولي على الشارع.. وهو الباب إلى الاستيلاء على السلطة. ومع أن الأمن الوطني كان في مستوى النظام السياسي، إلاّ أن مغالبة النسور كانت القانون، والاصلاح السياسي، واجتراح تعديل الدستور، والمحكمة الدستورية، وقانون الانتخاب، والحكم المحلي.. وعشرات القوانين في الاصلاح المالي، والقوانين الناظمة للحياة السياسية. واستطاع بالكثير من الصبر إعطاء مجلس النواب فرصة ترصين أدائه.. حتى اليوم الأخير.
لقد كانت رسالة جلالة الملك بقبول استقالة حكومة د. النسور، تفيض بالتقدير والاحترام لأداء جندي شجاع في جيش الوطن، ورجل المهمات الصعبة في نظامنا السياسي. فهذا القائد العظيم الذي كان يتابع حركة الداخل، أخذ وقته في وضع الوطن على خارطة القوى المؤثرة في المنطقة والعالم. فكان د. النسور كما أراده الملك العظيم العامل بصمت، وقدرة، على ضبط ايقاع المسيرة فكان الأردن واحة للأمن والأمان وجنّة ترخي بظلالها السخية على اخوتنا العرب الهاربين إلى الحرية والحياة.
يعود الرئيس النسور إلى داره.. كما عاد إليها أكثر من مرّة مواطناً عادياً: لم يفتح صالون سياسة النميمة، والاشاعة ونصب الفخاخ، وانتظار فتح «دكانة» سلطة. وكان ينصرف دائماً إلى العمل في كل ما يفيد نفسه وبلده. وكان عقله دائماً منفتحاً على كل جديد.
ولأننا دائماً من «حزب الدولة» فإننا كما نودع الرئيس المستقيل بكلمة شكراً.. فإننا نستقبل الرئيس القادم بالثقة ذاتها التي منحها له سيدنا. فالرئيس نشأ في بيت سياسة، وكان الموظف النشيط، والمدير، والوزير والمستشار. وانتقاه جلالة الملك ليؤلّف فريقاً وزارياً يملك قوة الاستمرار ذاتها التي خلفها فريق د. النسور.
الراي