مصارحات ما قبل الرحيل .. !
حسين الرواشدة
29-05-2016 03:08 AM
تحتاج الدولة - اية دولة - بعد فترة من الانجاز الى ما يشبه المراجعة والتقويم ، إن شئت جردة حسابات تتوقف امامها وتوازن بين ما حققته من انجازات أو ما وقعت فيه من قصور وسلبيات ، وفي تاريخ بلدنا على امتداد تجربته حصل ذلك وأكثر ، وكان الحساب - بالطبع - مفيدا، فقد استبدلت سياسات بأخرى.. وتداول أشخاص مواقع آخرين، وبدأت ديناميكية الحكم تواصل مسيرتها بوسائل جديدة ، وبخطى اكثر استبصارا للواقع ومتغيراته ، وللمستقبل وما يحتاجه من رؤى جديدة.
الآن ،بعد ان اقترب استحقاق رحيل السلطتين (الحكومة والبرلمان) حان وقت المراجعة ، مراجعة خطط الاصلاح والتغيير التي شهدها الناس وما زالوا ينتظرون اكتمالها ، ومراجعة العلاقات الداخلية بين مؤسساتنا الوطنية وبينها وبين المجتمع ، ومراجعة (اداء المواقع) ومدى قدرتها على النهوض بمسؤولياتها ، وارتقائها الى مستوى يليق بلدولة وتضحيات الاردنيين ، ومراجعة الملفات المهمة ، ابتداء من ملف الاقتصاد والاستثمار ، الى ملف الاصلاحات السياسية وتشريعاتها المفترضة ، الى ملف (النخب) السياسية وما تمثله من قوى ومصالح ، والاهم مراجعة اداء الحكومات وكيفية تشكيلها ودورها وقدرتها على التناغم مع مصالح الدولة والتحديات والاخطار التي تواجهها .
مع الاردنيين بالطبع كل الحق حين يقولون ان حكومتهم خذلتهم، وان نوابهم استقالوا من وظيفتهم التمثيلية، وبأن “الحل”هو الحل، لا اريد ان اتحدث عما فعلته الحكومات بنا ،هذا لم يعد خافيا على احد ، يكفي انه من المفارقات في بلدنا ان الناس تطالب بسرعة تنحية “نوابهم” الذين انتخبوهم ، وترى في اليوم الذي يتم فيه ذلك عيدا وطنيا، لكن يبقى السؤال: لماذا حدث ذلك؟ هل يتحمل النواب مسؤولية عدم رضى المواطنين وخيبتهم في الاداء ام ان هؤلاء النواب - كالمواطنين تماما - ضحايا لقانون انتخاب افرز افضل ما يمكن (!) ، وضحايا ايضا لظروف اجتماعية وسياسية لم تترك لهم مجالا لتحسين صورتهم او الارتقاء الى طموحات الناس وحاجاتهم ، ام انهم يتحملون المسؤولية كلها ، لانهم ( اغلبهم : ادق) قبلوا ممارسة دور “الكومبارس” وتعمدوا الانخراط في اللعبة..؟
لا يمكن لاحد ان يتصور ما فعلناه بانفسنا على امتداد هذه السنوات الا اذا تابع ما يحدث في برلماننا :هذا الذي تحول الى مرآة تعكس اسوأ نموذج يمكن ان نقدمه “لخيباتنا” واحباطنا ، والا كيف نفهم مثل هذا الاداء البرلماني في مواجهة قضايا وطنية مصيرية ، وتشريعات تتعلق بمستقبل البلد يجري التباطؤ في مناقشتها او اخرى يتم تمريرها، ومواقف مخجلة تجاه المجتمع ومشاكله واحتياجاته .
اذا اردنا ان نتجاوز “انصاف الحلول “ لا بد ان نعترف ان عملية المراجعة - ان شئت المحاسبة - التي يتوج بها البرلمان عادة نهاية مدته ، او يطالب بها الناس نوابهم لا يجوز ان تختزل في اداء النواب وانجاز المجلس الحالي فقط ، وانما لا بد ان تتجاوزه الى قراءة مسيرة الديمقراطية في بلادنا منذ نحو عشرين عاما على الاقل: هل تقدمت ام تراجعت؟ ولماذا؟ والى دراسة تجربة الحكومات ايضا: كيف تشكلت وبأي وسيلة تعاملت مع النواب(،) وماذا انجزت ، والى معرفة التشريعات التي انتجت المجالس النيابية (قانون الانتخاب) والتشريعات التي تتيح للمواطن التعبير عن رأيه والتأثير في مجمل الحياة السياسية (المطبوعات والاجتماعات والاحزاب..مثلا) ، والى رصد الحراك الاجتماعي الذي طرأ على مجتمعنا ، سواء على صعيد القيم ، او التعليم او العمل او العزوف عن المشاركة او الانسحاب من السياسة .. او غيرها.
لم يسأل احدنا نفسه: لماذا كان برلمان الخمسينيات افضل من برلمان الالفية الثالثة؟ ولماذا كان رضى الناس عن اداء نوابهم قبل اكثر من خمسين عاما افضل منه الان؟ ولماذا كانت هيبة الحكومات والمسؤولين والموظفين ، واحترام الناس للقوانين اكثر بكثير مما نراه اليوم؟ هل تغيرت الدنيا الى هذا الحد ام اننا تغيرنا فعلا الى درجة لم نعد فيها نستحق افضل من هذا الاداء البائس؟ لا اعتقد ان اي مجلس نيابي قادم سيكون مختلفا عما شهدناه في السنوات الماضية ، ولا يراودني ادنى شك بأن الاصلاح المطلوب الذي نريده سيأتي بدون وعي مجتمعي وتضحيات سياسية سلمية ومخاضات طويلة تنتهي حتما الى “ولادات” مشروعة لا على مستوى النواب فقط ، وانما على مستوى “النخب” التي ترسم وتقرر ايضا.
أشفق على بعض اخواننا النواب الذين يحاولون اعادة الاعتبار لمجلسهم او تجميع ما تناثر من اشلاء صورته التي مزقوها بانفسهم، واشفق على اخرين يحاولون ان يستبقوا “نهاية العمر” بكسب ما يمكن من شعبية على امل العودة مجددا الى الحكومة او البرلمان، واشفق ايضا على بلد يتحول الناطقون باسمه الى “فرقاء” اقصى ما يفكر به بعضهم هو البقاء اطول وقت ممكن تحت القبة،او الاحتفاظ بنمرة سيارة ،او الانتصار في المعركة ضد”الاصلاح”..
الدستور