أكتب الآن عصر الخميس 29 / 3/2007 في حالة من حالاتي البكائية المتكررة في الغربة، أكتب وأقيم عزاء خاصا بي، أكتب بعينين مثل (جمرة الغضا) لونا وحرارة.في الغربة أقمت نوعين من العزاءات، الأول أستقبل فيه الناس ويستمر ثلاثة أيام، وأهم أمثلة هذا النوع حين انتقلت والدتي إلى الرفيق الأعلى عام 2002 في وقت كان فيه جواز سفري في القنصلية أو الحقيبة الدبلوماسية لا أدري.. برسم التجديد، ولم ألق عليها نظرة أخيرة قبل الدفن. شيئ من ذلك حدث لي حين فقدت (محمد فرج الفراية) الذي يعرفه كل من تعامل مع الجمارك الحدودية ووصفه بأنبل الأوصاف وأرفعها شهامة وخلقا.. ولتعذرني أرواح أهل آخرين أعزاء، لأن كتابة كهذه لن تتسع لذكرهم .
النوع الثاني.. هو العزاءات التي لا أستقبل فيها أحدا، أغلق بابي علي وأبكي حتى الصباح.. فعلت ذلك في مطلع هذا القرن حين سمعت خبرا في الإعلام عن مقتل جندي أردني في سيراليون .. مع قوات الأمم المتحدة، دون أن يذكر الخبر اسمه الذي لا يعنيني..
كان يعنيني يومها أن أحاول الإجابة عن سؤال واحد: لماذا يذهب الشاب الأردني إلى سيراليون حتى يأتي بمهر عروسه؟ فيعود إليها جنازة؟
أو يذهب إلى البوسنة ليأتي بثمن كمبيالات الأثاث؟ ثم يأتي إلى الخليج ليبني غرفتين؟
تكرر المشهد ذاته حين كان شقيقي (محمد) في هاييتي.. وسمعت خبر مقتل ضابط أردني هناك.. أقمت عزائي الخاص بي والذي أرفض أن أستقبل فيه أحدا. وانشلع قلبي ألف مرة وأنا أتلقط الأخبار عن هاييتي، تلك التي أخذوا شقيقي إليها وضحكوا عليه وعلى (ربعه) حين أخذوهم مقابل مكافأة ( حفظ سلام) ليجدوا أنفسهم في مهمة (فرض سلام) وحتى على المستوى المالي فإن هذه غير تلك. وسط بلاد لا نظام فيها وإطلاق النار فيها لا يتوقف. في حين أن العساكر البرازيليين .. مثلا.. المشاركين في نفس القوة في هاييتي، يقضون معظم مدتهم في (هاواي) ويقبضون أضعاف أضعاف ما يقبضه عسكرنا !!
وغير ذلك الكثير من الأمثلة
اليوم... أقيم عزائي الخاص وأنا أراقب أخبار الصحف الأردنية التي نشرت خبر وفاة الطفل (رعد طالب) البالغ عامه الحادي عشر.. غرقا في سيل الزرقاء.
وعلى هامش الخبر ، يعلن (محافظ الزرقاء ) أنه كان قد أصدر تعليمات إلى رؤساء البلدية بضرورة (طمر الحفر) في السيل، إلا أن عدم طمرها أدى حتى الآن إلى غرق (أحد عشر طفلا في عام 2006 فقط)
يا اللاااااااااااااااااااااااااااااااااه أحد عشر طفلا في عام!!!! ما أرخص الأطفال عند رؤساء البلدية.. وعند السيد المحافظ ، لدرجة تجعل من مجرد (( طمر الحفر)) عملية ضخمة تتطلب تعميمات تستهلك سنوات حتى تنضج.
يا اللاااااااااااااااااااااااااه كم الإنسان في بلدنا رخيص... وأرخص من عملية (طمر الحفر)
واعذروني.. إذا أطلت عليكم... فإنني أتذكر الآن (مقاطع غير متصلة) من قصيدتي (بركان الحمام) التي كتبتهاعام 1994 قبل أن أعتزل الشعر حيث قلت فيها:
..................................
الريح رقص الكون منتشيا بلون الموت هلاّ جئتني
نغما لأنسى كم رقصت على جنون الخوف ؟
................................
ذهب يذوب على الموائد لا يبرره سوى دمنا ، ومفتاح
الذنوب يذوب في غبش من النسيان
.................................
كم من زمان سيلزمنا كي نقيم
عزاء العصافير..
أو نستعيد على
فرح كرنفال الخضار ؟؟؟
وكم كان يلزمنا كي نكفّن قتلى
الحروب ، ونمسح جوّافة النهر
من أرجوان الدماء....
.........................
كم من (النمل) يلزمنا كي نعيد
الحبوب إلى روزنا الذكريات
.............................
Amann272@hotmail.com
00971507354634