يعاني الفتيات والفتيان من لوعات الحب وهم يخطون سن المراهقة المعروف بجيشان العواطف والاشواق الملتهبة للقاء الحبيب والانشغال به تحت ما يطلق عليه "الحب الأول ولكنه في حقيقته مجرد اكتشاف للذات الإنسانية في الداخل وهي تحاول ان تتواصل مع الآخر لأول مرة عبر مرآة الحب ومحاولة تأكيد " الأنا الرجل " او تأكيد " الأنا الانثي " خلال حالات التمرد واثبات الذات المصاحبة للمراهقة الحرجة .
ففي سن المراهقة المشهورة بفقدان الثبات الانفعالي في مواجهة أي موقف قد يولد الحب من رحم الحاجة اليه لإثبات الذات، لكنه يحمل في طياته عوامل فشله سريعا لانه قائم علي انفعالات غير محسوبة لم تتعمقها العاطفة الحقيقية ولم تحوطها القدرة علي اية مسئولية او اتخاذ قرار .
وقد تتوهم الفتاة المراهقة أن حبيبها فتى مثاليا وتبالغ في وصف محاسنه او تفكيره العصري. كما قد يصاب الشاب المراهق بالهوس بمحبوته ويدمن انشغاله بها ظنا منه انها توأم روحه وعندما يغلف حياتهما روتين الحياة اليومي يدركان انهما مختلفين تماما في رؤيتهما للحياة وان هذا الاختلاف لا يستطيعان تقبله، فتسقط عنهما أوراق توت الاعجاب عند أول اختبار حقيقي للحياة
ولو افترقا لسبب خارج إرادتهم قبل أن يصل لمرحلة القناعة بعدم التوافق أو الاختيار الخاطيء سيصبح وهم الحب الأول يلاحقه رغم أنه لو اكمل مشواره قليلا بهذا الحب لكان هو نفسه رفض الإستمرار
على سبيل المثال عندما يولد حب المراهقة بين اثنين و احد عوائلهم ترفض هذا الإرتباط أو تهاجر البنت مع أهلها لبلد بعيد او يذهب هو لخدمة الجيش فيشعر كلاهما بالظلم لأنهم ابتعدوا ليس بقرار منهم و لكن من وجهة نظري ان اغلب هذه الحالات هي من باب العند و التحدي وأنه لو ترك القرار له لانفصل هو عن هذا الحب بعد قليل من الوقت الذي يسمح له بإعادة حساباته بل بإختبار صدق مشاعره .
أما الحب الحقيقي فهو لا يستقيم له عود ويطرح ازهارا ورياحيين الا بقبول الاختلاف بين الطرفين المحبين، وحتى لو كان احدهما مستقلا بفكره عن الاخر.
ان التراث العربي قد عبر عن أن الحب الأول هو مجرد تجربة قد مضت بحلوها ومرها, وان المرء قادر على ان يحيا تجربة جديدة من الحب الحقيقي كما قال العلوي الأصبهاني :
دع حب أول من كلفت بحبه .... ما الحب إلا للحبيب الآخر
أما التراث العالمي فقد تناول تجارب الحب الأول باعتبارها حالات إنسانية قائمة وحقيقة وجودية, وليست فقط تجربة فردية محدودة كما في رواية " كبرياء وتحامل " لجين أوستين, ورائعة الأدب الروسي " أنا كارنينا " لليو تولستوي وغيرهما
وتناول الفلاسفة والشعراء والأدباء العالميين الحب باعتباره حاجة إنسانية وطاقة داخلية فياضة, دون الجزم بالحب الأول .
ففكرة الحب الاول من أول نظره بين المراهقين ما هي في حقيقتها الا إحساس بانجذاب الفتاة الصغيرة نحو شخص لم تلتقيه من قبل، وتظن وهي تحت طائلة الانجذاب إنها عثرت على فتى احلامها حتى ولو لم يبادلها نفس الإعجاب.
وقد يتولد الانجذاب في سن المراهقة من ولع الطرفين بفكرة الحب ذاتها فيحاول أحدهما تجسيد صورة أو صفات المحبوب الموجودة في الخيال لدي الآخر، حتي يكتشف أن هذه الصورة الخيالية مخالفة للواقع و أن الإعجاب ب الشكل الخارجي لم يتوافق مع الجوهر الداخلي الذي يبحث عنه المحب فيشعر بأنه خدع نفسه .
يذهب علماء النفس والاجتماع إلى القول بأن مشاعر الاعجاب التي تتولد لدي المراهقين ترتبط بعملية تشكيل الهوية الشخصية للمراهق, ومحاولته تأكيد " أنا ", حيث يشعر المراهق بثقل البيت والعلاقات الأسرية فتنشأ حالات التمرد وعدم الاستجابة للضغوط الأسرية. ويندفع المراهق للارتباط العاطفي بالطرف الاخر تعبيرا عن الاستقلالية والتمرد على البيئة، فيتوالد حبا بانا لظروف بيولوجية لا يكتب له النجاح الا نادرا.
أما الحب الحقيقي- فهو الذي يقوم علي الاقتناع الكامل بشخصية الشريك وطريقة تفكيره والعواطف المتبادلة، وان يكون التفاهم والامان والتضحية وقبول الاختلاف بينهما أساسا لتواصل الحب واستمراره وتوهجه .
كما ان الانسان الناضج قد تصادفه مشاعر حب حقيقية في اي مرحلة عمرية من مراحل نضجه،
وعلي ذلك فان الحب الاول هو وهم مرحلة عمرية محدده بفترة المراهقه، واذا استجاب لها الشاب وتزوج بمن اعجب بها في مراهقتهما فانه سرعان ما يكتشف الرجل أن اختياره كان خاطئا لانه اختيار مبدئي جرى في سن غير ثابت عقليا وعاطفيا وينقصه النضج وصقل التجارب .
هنا يشعر من تزوج وفقا لمسمي الحب الأول بالندم، لانه نفسه قد تغير اليوم ثقافيا عما كان بالأمس فهل اختيار الأمس يناسبه اليوم؟!
لذلك فان التعجل بالزواج وفقا لمرآة الحب الأول من أكبر الاخطاء التي يرتكبها الانسان في حق نفسه، الأجدر بكل امرأة أو رجل الآ يتعجل في اختيار شريك حياته حتى تكتمل رؤيته و تنضج شخصيته وتتزن عواطفه ويثبت على رأي ومبدأ و يسلك طريق معين يعرف أوله ويسعى لتحقيق آخره
كما أن الحب الحقيقي هو الحب الذي لا يمكن أن يأتي بعده حب
فطالما استطعت ان تحب من جديد فمعنى هذا أن ما سبق كان تجربة إعجاب فقد او مجرد تعلق بشخص غير مناسب لم يستطع الحفاظ على مكانته في قلبك
فأي حب يستعوضه حب آخر لم يكن حبا من الأساس، فالحب الحقيقي بعد اكتمال النمو العقلي والوجداني للانسان حيث تتبلور شخصيته تراكميا وبفعل اختلاطه بالناس ومروره بالعديد من التجارب الحياتية المؤثرة في نظرته للمرأة والمجتمع والكون كله
فالتجارب في حياة الانسان تشكل وعيه العاطفي والعقلي ويرتقي ذوقه وتتسع آفاق فكره ولا يستطيع أحد خداعه بسهولة، مما يجعل اختياره لشريك حياته ومحبوبه أكثر نضجا ونجاحا.
أما من يتبوأ عرش القلب بجدارة فهو مسك الختام، حين يجد الانسان بحق نصفه الثاني ليكمله ويملأ فراغه الروحي والوجداني، حيث لا يمكن لأحد غيره القيام بهذا الدور الخالد في الحب الحقيقي .