تنهي قناة الجزيرة قبل فترة خدمات العشرات، وتغلق قناتها في الولايات المتحدة، ثم بعد ذلك بوقت قصير، تنهي قناة العربية خدمات العشرات، بعد ان كانت مجموعة ام بي سي قد اغلقت قبل فترة مكاتبها في الدول العربية.
الحالة ذاتها تنطبق على صحف ومجلات، بعضها اغلق، وبعضها يعيد هيكلة الكوادر، وثالث يتعثر ويعاني، ورابع يرسل رسائل استغاثة، كما في لبنان وغيرها، جراء الديون والخسائر المالية، والتراجعات غير المحتملة.
الواضح تماما ان ملف الاعلام العربي، بات ملفا شائكا، فالاعلام العربي يعتمد في الاغلب على التمويل او الاعلان، وفي الحالتين، فإن التراجعات الاقتصادية من جهة، وانخفاض اسعار النفط في بعض الحالات، وتناقص الاعلان، المحلي، والعربي، يؤدي الى ذات النتيجة، اي اضعاف الاعلام العربي عموما، واخلاء المساحات تدريجيا.
امام هذا المشهد، تنمو ظاهرتان، الاولى تتعلق بالاعلام العربي الممول ايرانيا، ولدينا هنا عشرات القنوات والصحف والمواقع الالكترونية التي تبث باتجاه العالم العربي، وتزدهر، في دول عديدة كالعراق ولبنان، وغير ذلك، وهي حزمة ممولة ماليا، ومرتاحة الى حد كبير حتى الان، الا اذا لحقتها ايضا ذات اللعنة التي لحقت سابقاتها، لكن على الاغلب، هذا لن يحدث لان من وراء هذه الحزمة يريد ان يتمدد، ولن يتراجع، ولديه خطة واضحة.
الظاهرة الثانية، نشوء الاعلام البديل، الذي يؤثر على الرأي العام، بل ويحدد البوصلة بشكل غريب، عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك والتويتر والانستغرام وبقية الوسائل، حتى لجأت بعض الدول الى نقل بعض مخصصات تمويلها للاعلام، الى صفحات على هذه المواقع، او تم دفع مكافآت مالية لآلاف من الافراد لانشاء صفحات فاعلة تخدم فكرة محددة، او تهاجم خصوما، على ذات هذه المواقع.
هذا يعني اننا عموما امام تحولات جذرية، في صناعة الاعلام، واذا كان من غير المتوقع ان تختفي مشاريع كبرى نراها حاليا، في الاعلام الفضائي او الورقي، الا انها مهددة بضعف التأثير، جراء خفض الكوادر، وهذا سوف يفتح الباب بقوة للظاهرتين السابقتين، على وجه الحصر والتحديد، للنمو والتطور، في هذه المرحلة على الاقل، كما انه لن يكون غريبا بعد فترة ان تختفي وسائل شهيرة، لصالح وسائل بديلة ينتجها ذات الممول.
من جهة أخرى فإن العاملين في صناعة الاعلام، وبمختلف فنونه، امام أزمة غير مسبوقة، ولربما عدد المتعطلين عن العمل بينهم، من النسب المرتفعة هذه الايام، والذين يخسرون وظيفة هنا او هناك، لايجدون عنها عوضا ببساطة، هذا اضافة الى الخطر المتعلق بمستقبل ذات المهنة، امام التغيرات الحاصلة، فكثيرا ما يكون بديل ارسال مراسل تلفزيوني ومصور وفريق الى منطقة حربية، مجرد مقطع يصوره احد ابناء الحي لقصف او تفجير، ويبرق به عبر اليوتيوب او يرسله الى احدى القنوات، وهذا يختطف جانب الابهار والانفراد، ويحول وسائل الاعلام الى مجرد لاهث وراء الخبر.
ازمة الاعلام العربي، تشابه ازمة الاعلام في العالم، لكنها اكثر سوءا، لانها تعتمد في الاساس على المساندة غير المعلنة من جانب الممول السياسي، الذي يستخدم احيانا واجهات تجارية، لتغطية وجوده، كما ان الاعلام العربي فاقد للمصداقية الى حد كبير، ويعتبر كثرة من متابعيه، انه غير صادق، وربما تلمس جهات كثيرة، تمول هذا الاعلام، انه بات مثل الصدى، لا يؤثر، ولا يتحكم بالرأي العام مثلما هو مفترض.
ضعف الاعلام العربي بهذه الطريقة، لا يبشر بخير، والمؤكد انه سيواجه سنين اصعب، بما يحول هذه المهنة الى مهنة مرهقة جدا، وحافلة بالتقلبات، فوق طبيعتها المتعبة اساسا، مما يطرح السؤال حول كينونة المهنة، في هذا الزمن، وفي العالم العربي، حصرا.
الدستور