من يعرف الدولة الأردنيّة والأردنيين يدرك جيداً ان حكاية الفدرالية أو الكونفدرالية ليست من خياراتهم في التعامل مع القضية الفلسطينية, فكلنا ندرك ان هذه الفكرة ليست فكرة وحدوية بل هي مشروع صهيوني للالتفاف على الحق الفلسطيني والمطلب الأردني باقامة دولة فلسطينية حقيقية قابلة للحياة وعلى التراب الفلسطيني, وان يدفع الاحتلال وحده للشعب الفلسطيني حقوقه وليس اي طرف آخر.
لكننا اعتدنا بين حين وآخر ان تتحرك في اوساطنا اقاويل وتحليلات واشاعات عن الكونفدرالية بين الاردن وفلسطين, وربما نحتاج جميعا في هذا البلد ان نتعامل معها بازدراء سياسي, لأن من الواضح ان "نبش" هذه القصة بين فترة واخرى يهدف الى ابقائها حية وان تكون مصدر استفزاز لنا نحن الأردنيين, وان تكون واحدة من نقاط الجدل الداخلي بين مكوناتنا الاجتماعية والسياسية, وان تفتح ابوابا للفتنة في بعض الحوارات, ولهذا فان من واجبنا كأردنيين ان نحسم خياراتنا الداخلية وان نكون على ثقة ان الدولة والقيادة وكل اردني ليسوا معنيين بحل مشكلة اسرائيل, ولا بتحقيق اهداف وغايات مقاولي الفتن والحكايات وبالونات الاختبار.
وحتى لو افترضنا جدلاً اننا قبلنا وتحمسنا للكونفدرالية او الفدرالية او ما يشبههما فمع من ستكون؟!؛ مع سلطة لا تملك امرها وارض وشعب تحت الاحتلال ومقيدة باتفاقات تمنعها حتى من امتلاك مواصفات بلدية حقيقية؟
وهل نقيم كونفدرالية او فدرالية مع ارض فلسطينية مقسمة وشعب فلسطيني يتوزع على كل انواع الفصائل وعلى حكومتين بينهما من العداء اكثر من العداء للاحتلال, ام نقيم فدرالية او كونفدرالية مع سلطة منهكة اقتصاديا وتعتمد على الاقتصاد الصهيوني, فحتى محطات توليد الكهرباء هناك تتوقف ان اوقف الاحتلال تزويدها بالوقود.
ام نقيم كونفدرالية مع كيان سياسي اكله الفساد والشللية وجمع بين امراض الثورات وامراض الانظمة والحكومات!
المروجون لهذا المشروع الصهيوني ليسوا من المؤمنين بالحق الفلسطيني بل هم الذين حسموا خياراتهم وبخاصة في ملف النازحين واللاجئين وحق العودة وفكرة الدولة الفلسطينية, ويروجون تحت رعاية صهيونية لفكرة الكونفدرالية مع الاردن, لان هذا في النهاية يوفر لهم توطينا حقيقيا الى غير رجعة, ويدفن حق العودة وفكرة الدولة الفلسطينية المستقلة , ويجعل الدولة الاردنية بهويتها الوطنية وكل مواطن فيها يدفع الثمن نيابة عن الاحتلال.
مثلما تحتاج هذه الافكار الصهيونية الى رفض قوي فان علينا ان نؤمن بأن كل اردني وفي مقدمتنا مؤسسة الحكم قد حسمت خيارها برفض كل ما يمس هوية الدولة الاردنية, وكل ما يمس حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وان يكون من يدفع الثمن هو المحتل وليس اي طرف عربي ولسنا نحن الاردنيون. وما يجب ان يتم هو اقامة الدولة الفلسطينية الحقيقية وليس اي شيء آخر وسنبقى نتوقع بين حين وآخر عودة هذه الحكاية.