الإخــوان ونهـايــة العصــر
عمر كلاب
22-05-2016 02:57 AM
يمكن قراءة حركة حزب النهضة التونسي بالتوجه نحو العمل الوطني الداخلي والتعامل مع اللحظة القائمة كحزب تونسي وطني دون اي ارتباط خارجي، بوصفها استحقاق فرضته اللحظة التونسية ومخرجاتها بُعيد الربيع العربي، لكن ذلك فيه تسطيح للفكرة وعجز عن قراءة سيرورة التاريخ ومنطق التحولات الكبرى التي يشهدها العالم العربي وجدلية الديالكتيك الحاكمة لمنطقه وفجاءاته، ويسجل لحزب النهضة قراءته المبكرة لهذه الجدلية التي تعني اننا امام حالة افول للحركات والاحزاب العابرة للجغرافيا كشرط تاريخي لطبيعة ادوات الانتاج السياسية والاقتصادية في العالم العربي وانتقاله من مرحلة الى مرحلة جديدة عمادها افتقاد مقومات الصمود والمواجهة لادوات العصر الجديد وطبيعة اسواق العمل الناشئة والاقتصاديات السائدة .
هذه التحولات شهدتها دول اوروبا الشرقية في اوائل ثمانينيات القرن الماضي وعجزت تلك الدول المحكومة للسلفية الماركسية من التفاعل الحيوي مع اللحظة التاريخية وتغير سوق العمل وتحول ادوات الانتاج من الصناعي الى المعرفي والتقني فخرجت الاحزاب الماركسية من المشهد وافلت المنظومة الاشتراكية ووقف العالم على ساق واحدة لفترة طويلة قبل ان تنهض روسيا القيصرية كدولة وليست كمنظومة وفكرة من تحت الرماد لتحاول اعادة صياغة المشهد الكوني وضبط وقفته بالتعاون مع الصين واقطار امريكا الجنوبية والهند ولكن المحصلة كانت انتهاء زمن الاحزاب العابرة للجغرافيا ايضا .
حزب النهضة بخطوته نحو التونسة يعلن بداية افول ظاهرة جماعة الاخوان المسلمين كمنظومة فكرية عابرة للجغرافيا تحت قيادة مكتب الارشاد العالمي، فهزيمة الجماعة في الربيع العربي وافول نجمها في دول عربية كثيرة وصعود منظومة دينية جديدة يؤشر على ذلك تماما، فكما كانت افغانستان نهاية حقبة تاريخية في دول المنظومة الاشتراكية فإن الربيع العربي والانقلاب في مصر والخسارة في تونس والتراجع في المغرب وفشل المشروع في سوريا يقولان ان الخسارة تعلن نهاية مرحلة والولوج في مرحلة جديدة تُعيد فيها الجماعة تفكيرها الوطني بأجندة وطنية لكل قطر على حدة وتنتقل الى العمل السياسي والبرامجي باستقلالية تامة فيما يبقى الدعوي شأن منفصل ومستقل عن السياسي .
التاريخ لا يمكن معاندته او عكس مساره برغائبية، فالتاريخ يمكن تطوير مساره ونقله الى طور جديد بعد افول الطور السابق بوعي وقراءة للادوات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والاخوان كجماعة عابرة للجغرافيا انتهوا وعليهم اعادة التفكير واجراء المراجعة التاريخية اللازمة لبقاء وجودهم السياسي والاجتماعي، فكل ادواتهم تجاوزها التاريخ وباتت المعارف ملقاة على قارعة الطريق وسيرفرات الفضاء ورذاذه وبات داعية واحد يملك نفوذا وتاثيرا يفوق نفوذ جماعة بأكملها على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الواقع المَعيش فعلا، ولدينا من الدعاة ما يفيض عن حاجة المرحلة مقابل نقص مهول في السياسيين والبرامج السياسية وكانت الجماعة للانصاف مخزنا للساسة والرجال قبل ان تخسر معركة الربيع العربي لانها تتقن وبمهارة فن التأشير على الخلل ولا تتقن معالجته، فهي قادرة على اسقاط نظام لكنها لا تستطيع بناء نظام او دولة .
اشارة حزب النهضة التونسي يجب التقاطها والتفاعل معها بعين العصر والمنطق وليس من بوابة الادانة او الترحاب الغبي، فهي اشارة تاريخية ومؤشر فكري على انتهاء مرحلة ودخول غيرها الى العوالم الفكرية السياسية التي تعتمد الاسلام مرجعية فكرية وسياسية، وحال التيارات الشمولية بات واضحا للجميع، فهذا الزمن يحتاج الى الاحزاب البرامجية الوطنية القادرة على عكس نجاحاتها داخليا على شكل تحالفات سياسية مع احزاب شبيهة في اقطار عربية ثانية، فحتى شعارات الوحدة العربية السابقة باتت خارج التاريخ وعكس ذلك فإن مؤسسات المجتمع المدني وحواضن التمويل الاجنبي ستكون البديل الضال والمضلل للمجتمعات العربية التي تنشط فيها تلك المنظمات وبدعم سخي جدا .
الدستور