أي مستقبل ينتظر هذا الجيل؟
فايز الفايز
22-05-2016 02:54 AM
أجمل عبارة وأكثرها بعدا توعوياً وإدراكاً لمتغيرات الحياة، سمعتها من أحد العقلاء وهي « ربيّ إبنك ولا تربي له» أي إجتهد في تربية إبنك فكريا وأخلاقيا وعلمياً ولا تجتهد كثيرا في محاولة «تربية الأموال» ليرثها من بعد دون أن تؤسس له قيّم ومعايير فكرية وإدارة للحياة التي سيواجه تحدياتها،وهذا ما أصبحت تواجهه دولتنا بمجموعها الشعب والحكومة ، فالمتغيرات الإجتماعية أصبحت متسارعة في ظل وقوعنا بين أنياب التوحش في إمتلاك كل ما يدفع به السوق الإستهلاكي، وما بين ازدياد معدلات الفقر وارتفاع سقفه، وظهور الخطوط الفاصلة بين طبقة الأغنياء والموسرين والطبقة المطحونة.
في خبر «الرأي» الذي نشر أمس السبت عن إحصائيات إدارة المعلومات الجنائية لعام 2015 تظهر الكارثة التي يغفل عنها الجميع للأسف ، والجميع هنا هم المسؤولون وأصحاب القرار الذين يمتلكون أسباب العلاج وأدوات التغيير، والخبر يكشف عن إزدياد نسبة الجرائم التي يرتكبها الأحداث ممن هم تحت السن القانوني أو القُصرّ بمعدل 2.7 بالمائة عن العام الأسبق 2014 ، حيث بلغت الجرائم المرتكبة 2576 جريمة منها 31 جريمة قتل و1883 جريمة سرقة واعتداء على الأموال، وعشر جرائم إغتصاب، بزيادة عن العام الأسبق، وبقاء الجرائم الجنسية الأخرى في معدلها ممثلة بهتك العرض 145 جريمة مقابل 209 جرائم في العام 2014 فضلا عن جرائم الزنا والبغاء، والإخلال بالآداب والأخلاق العامة.
التقرير يحتفي بإنخفاض عدد جرائم الإنتحار التي يرتكبها الأحداث فقد وقعت 8 جرائم إنتحار عام 2015 مقابل 10 جرائم انتحار عام 2014،، يا للكارثة، ألا يزال المسؤول جالسا على مقعده بعد أن يعرف أن أطفالا وصبيانا ومراهقين في طريقهم للمستقبل إنتحروا أو حاولوا أو فكروا بالإنتحار، أين كل الخطط والقصائد و» البرزنتيشنات» التي يستعرضها المؤتمرون في كل مناسبة وبلا مناسبة، لإظهار الجهود في رفع نسبة الوعي لدى الشباب واستعراض الجهود في مكافحة الفقر وتشغيل العاطلين وتحصين الفكر المدرسي،وحماية أرواح الأطفال وأجسادهم.
إن التقرير السنوي لعام 2014 الصادر عن وزارة التنمية الاجتماعية حسب تضامن يشير الى أن عدد الأحداث الإناث الخارجات من دور الرعاية وتم دمجهن مع أسرهن بلغ 638 فتاة ،كما بلغ عدد الأحداث الموقوفون في دور تربية الأحداث 2058 حدثاً، فيما عدد الأحداث المحكومين في دور تربية وتأهيل الأحداث 212 حدثاً ، هذا للعلم كان قبل سنتين، فما هي الأرقام اليوم؟
وتظهر دراسة رسمية عن الوضع النفسي للأطفال (ذكوراً وإناثاً) في مراكز التأهيل والرعاية في الأردن حسب «الرأي»، أن أكثر من 23% من الأحداث فكَّروا بالانتحار، وأنَّ نحو 87% منهم يعانون من الاكتئاب الشديد، و64% تعرضوا لصدمات نفسية عنيفة، وتشير أرقام وزارة التنمية الإجتماعية الى أن معدل قضايا الأحداث السنوي 6200 قضية ، وأن 64% من الأحداث مرتكبي الجنح والمخالفات لأول مرة هم من طلبة المدارس.
هكذا إذا، 64 بالمائة من الأحداث أو»المجرمون الأغرار» هم من طلبة المدارس، ماذا نفعل ، نصرخ ، نلطم ، نولول، أم نطالب بمحاكمة المدارس والمناهج والوزراء والآباء ، إذا كانت المدارس لا تستطيع إيصال رسائل الحياة الفاضلة لأطفال هم تلك الأرض الخصبة القابلة لزراعة كل القيّم الفاضلة والمفاهيم السليمة، وتحفيز عقل الطفل للإبداع والإبتكار والتفكير السليم، فما قيمة المدرسة والكتاب والمنهاج والمعلم ، وأي قيمة للأب والأم اللذين إرتكبوا جريمة ولادة مجرم، أين الأب المثالي، وأين الأم المثالية، وأين المعلم المثالي وأين العائلة الوطنية المثالية، بل الى أين نحن ذاهبون؟!
من سافر الى بلاد العالم من غير بلاد العرب، لابد أنه لاحظ فرقا واضحا في شوارع مدن تلك الشعوب، وهي أنك لا ترى أطفالا ومراهقين متسكعين في الشوارع والزوايا ، على الرغم من إن تلك المجتمعات لا تخلو أيضا من جرائم الأحداث، ولكن هناك نظام إجتماعي هو الأساس ، ونظام حكومي وسياسي، يقود التنمية الإجتماعية لرفع كفاءة التنمية الإقتصادية، وهاتان التنميتان محصنتان بالتنمية السياسية التي تضع أسس نجاح الدولة وحماية المواطنين ورفع كفاءة الإقتصاد ووضع شبكة آمان إجتماعي حقيقية لا ينتحر فيها الأطفال وتهتك أعراضهم ويصبحون مشاريع لكارثة إجتماعية مستقبلية.. فهلا أجابنا أحد عن ماهية المستقبل الذي يواجهه أطفالنا؟
الراي