تحاول طهران استثمار "ظاهرة داعش" الإرهابية التي ساهمت ومازالت تساهم في دعمها وتعزيزها إلى أقصى درجة ممكنة، فهي تستثمرها "أمنياً "حيث نجد أن أي عمل إرهابي صغيراً كان أم كبيراً فهو عمل داعشي، وسياسياً نجد أن أي موقف سياسي لأية جهة معادية لإيران هو موقف داعشي، وأن الجهة السياسية التي تعادي إيران أو لا تتبع لها هي "تنظيم داعشي"، ومن ابرز الأمثلة على ذلك تيار المستقبل في لبنان.
إنه نوع من أنواع الإرهاب الفكري الذي يريد تكميم كل الأفواه المعادية لنظام الملالي أو نظام الولي الفقيه، وهو حُجر على عقول كل من يرون أن إيران باتت هي "أم المصائب" التي تفجر الأزمات في المنطقة وتحديداً في العراق وسوريا ولبنان واليمن ولربما قريباً في أماكن أخرى من الوطن العربي.
هذا الإرهاب الفكري موجه الآن بضراوة غير مسبوقة ضد مؤتمر المعارضة العراقية التأسيسي المزمع عقده في باريس في الثامن والعشرين من الشهر الجاري، فأبواق إيران في العراق أخذت تتهم المؤتمر والقائمين عليه بأنهم إما "بعثيون وصداميون"، "وإما دواعش وتكفيريون" أو عملاء لدول عربية، هذا عدا عن اتهام المؤتمر بأنه طائفي وفاقد للصبغة الوطنية.
ومن أكثر الانتقادات التي وجهت للمؤتمر المشار إليه مدعاة للسخرية هي تلك التي اعتبرت أن عقد مؤتمر كهذا خارج العراق هو "عمل غير وطني ويدلل على عمالة المشرفين عليه والمشاركين به وذلك بحجة" أن العراق هو أكثر دولة عربية ديمقراطية وتتمتع بحرية رأي واسعة".
ولم تنس الماكينة الإيرانية المعادية للمؤتمر أن تتهمه بأنه يهدف إلى ضرب العملية السياسية الجارية في العراق وتخريبها باعتبار أن تلك العملية التي بدأت في 2003 ومستمرة إلى الآن أنتجت نظاماً سياسياً ديمقراطياً ومدنياً يخلو من أي صبغة طائفية أو محاصصة أو أي نوع من الاضطهاد السياسي، كما حاول فالح الفياض مستشار الأمن الوطني العراقي وعدد من القادة الأمنيين تصوير الأمر خلال زيارتهم قبل نحو أسبوعين لباريس من أجل الضغط على الجانب الفرنسي لمنع إقامة المؤتمر.
تعكس حالة الهلع السياسي التي تعيشها طهران وتوابعها من المؤتمر مدى إحساسهم بعمق الفشل الذي أوصل العراق كبلد محوري في المنطقة إلى حافة الهاوية على الصعد كافة، ومدى الخوف من أي تحرك سياسي – شعبي جديد قد ينتج في إطار عملية تصحيح مسار العملية السياسية بعيداً عن الهيمنة الإيرانية والمحاصصة الطائفية، والعمل على استعادة هوية العراق العربية وتقويض النفوذ الإيراني فيه، بعد 13 عاماً ترك فيها العراق فريسة لطهران وتوابعها من العراقيين.
سوف يشكل المؤتمر الذي ستشارك به 300 شخصية يمثلون كل العراق بكل أطيافة السياسية والفكرية والطائفية والقومية والإثنية بداية الطريق نحو بناء عراق عربي – ديموقراطي – علماني، وبداية نسف للعملية السياسية "العرجاء" التي رسمتها طهران بغاية الدقة من أجل إبقاء العراق دولة ضعيفة ومريضة وتابعة لها، ومهما كانت القرارات التي ستصدر عن المؤتمر فإنها ستكون الخطوة الأولى التي يمكن لنا كعرب تبنيها واحتضانها والبناء عليها مع المشاركين في المؤتمر.
ومن أكثر الأمور المقلقة لطهران من المؤتمر هي آفاق الاعتراف العربي والدولي بهذا المؤتمر ومقرراته كجهة تمثل كل عراقي خارج إطار العملية السياسية – الطائفية الجارية منذ احتلال العراق في ابريل (نيسان) من عام 2003 ، حيث تشير المعلومات إلى أن هناك شخصيات رسمية عربية من عدة دول ستحضر المؤتمر بالإضافة لشخصيات سياسية أوروبية ، وممثل عن الأمم المتحدة وأعضاء كونغرس أمريكيين.
... مؤتمر المعارضة العراقية التأسيسي يشكل أول محاولة سياسية جادة لإخراج العراق من أزمته الطائفية أولاً، وتبعيته السياسية لإيران ثانياً.
*****
من أبرز ملامح الاستثمار السياسي الإيراني لداعش تمثل بالإيعاز لحزب الله التابع لها الإسراع في اتهام "التكفيريين " بأنهم وراء اغتيال القيادي بالحزب مصطفى بدر الدين، رغم أن المؤشرات تقود إلى أن إسرائيل هي القادرة بإمكاناتها الاستخبارية وخبراتها في هذا المجال على تنفيذ عملية بمستوى اغتيال المطلوب رقم واحد في الحزب لدى جهات عربية ودولية على خلفية أعماله الإرهابية، والسؤال لماذا برأت إيران ومعها حزب الله إسرائيل من العملية؟
إن اتهام إسرائيل يقتضي من الحزب رداً عسكرياً قاسياً خاصة بعد أن اصطادت خلال السنوات الماضية قادة بارزين من الحزب مثل عماد مغنية وابنه جهاد في القنيطرة العام الفائت، وسمير القنطار ولم تقم بالرد الرادع المطلوب، وهو أمر يعجز عنه الحزب حالياً لاعتبارات عديدة أبرزها أن المواجهة مع إسرائيل لم تعد أولوية لديه، لذا وجد الحزب أن اتهام التكفيريين هو الأسهل، كما أنه يعزز من مبررات "تورط الحزب وإيران" في الحرب في سوريا تحت شعار "محاربة التكفيريين".
24