الاستثمار مرة أخرى: التعليم العالي
معن قطامين
19-05-2016 08:11 PM
ثلاث ملاحظات أفتتح بها مقالي هذا.. الملاحظة الأولى : حديث جانبي بيني وبين شخص إنجليزي سألني ذات يومِ إنجليزي غائم عن أصل كلمة chairman ، وبالطبع لم أعرف فقال لي: إن مصطلحchairman يعني حرفيًا "الرجل الجالس على الكرسي" وقد استعارتها اللغة الإنجليزية من علماء المسلمين الذين كانوا يحاضرون في مجالس العلم والمساجد وهم يجلسون على كرسي، ومثال على ذلك العلامة "محمد متولي الشعراوي".
الملاحظة الثانية : وهي أصل الروب الجامعي الذي يرتديه جميع خريجي الجامعات والمعاهد حول العالم، فكلنا يعلم أن طلبة العالم أجمع يرتدون الروب الجامعي أثناء مراسم تخرجهم ويعزى هذا إلى أن الطلبة الأوروبيين الذين درسوا في طليطلة وإشبيلية وغرناطة كانوا يعودون إلى بلادهم وهم يرتدون العباءة العربية ليتميزوا بأنهم نخبة متعلمون قد حصلوا على التعليم في ذلك العصر من بلاد...المسلمين، ومنذ ذلك الوقت أصبحت العباءة العربية لصيقة بالخريج حول العالم.
الملاحظة الثالثة : هي أن أول جامعة في العالم، حسب موسوعة جينيس للأرقام القياسية العالمية، هي جامعة القرويين (859 ميلادية) في مدينة فاس في المغرب (وإن كانت تتنافس في هذا الشرف مع جامعة الزيتونة التونسية).
ربما تقودنا الملاحظات الثلاث إلى فحوى المقال وهو ريادة هذه الأمة العزيزة في مجالات التعليم العالي، أما في الأردن فلا شكَّ أن الأردن بلد رائد ومتميز في التعليم العالي منذ إنشاء أول جامعة فيه عام 1962 وهي الجامعة الأردنية، أم الجامعات الأردنية.
أين الفرصة الاستثمارية؟ الفرصة تكمن في المؤشرات العالمية : أولًا: أسرع الصناعة نموًا في العصر الحديث ،هو التعليم الإلكتروني . ثانيا: أسرع الدول نموًا في التعليم الإلكتروني، هي الهند ثم الصين ثم ماليزيا . ثالثًا: بلغ حجم التعليم الإلكتروني عالميًا في عام 2015 حوالي 107 مليار دولار .
رابعًا: بلغت عائدات أمريكا الشمالية في عام 2013 حوالي 24.4 مليار دولار . خامسًا: التعليم الإلكتروني يخفض تكاليف التعليم على المؤسسات التعليمية والمتعلمين . سادسًا: يبلغ عدد الطلبة الأمريكيين الذين يتعلمون إلكترونيًا أكثر من جميع طلبة فرنسا .
سابعًا: يبلغ عدد سكان الوطن العربي حوالي 340 مليون نسمة. أين المشكلة؟ تواجه العديد من الجامعات الأردنية أوضاعاً مادية صعبة للغاية وعجز تراكمي في ميزانياتها، فقد بلغت مديونية الجامعات الأردنية الرسمية حتى عام 2015 ما يزيد عن 139 مليون دينار أردني.
السؤال المطروح، لماذا لا تسمح الحكومة للجامعات الأردنية بتبني استراتيجيات التعليم الإلكتروني وتصل بالتعليم الأردني إلى 350 مليون عربي على الأقل ؟! لقد أصبح التعليم الإلكتروني جزءًا لا يتجزأ من منظومة التعليم الذي يخضع للرقابة ولكافة معايير الجودة في دول مهمة مثل بريطانيا وأمريكا وغيرهما من الدول المتقدمة، فلماذا نتخلف عن هذا الركب ولا نبادر إليه ونحن مدركين كل الإدراك بأنه ومع مرور الزمن سوف نحاول اللحاق بالركب... ولن نلحقه، في وقت نستطيع فيه أن نكون سباقين، رياديين ومبادرين.
إنَّ إتاحة المجال للجامعات الأردنية بأن تفتح أبوابها للتعليم الإلكتروني سيساعد وفورًا في التالي : أولًا: استقطاب استثمارات هائلة للأردن، هل تعلم أن شركة "لينكد إن" المعروفة اشترت شركة تعليم إلكتروني أمريكية العام الماضي بمبلغ 1.5 مليار دولار.
ثانيًا: توفير فرص عمل هائلة للأردنيين في شتى المجالات، هل تعلم أنه ولتطوير ساعة تعليم إلكتروني واحدة نحتاج إلى ما يزيد عن 40 مهنة من مدرسين ومصممين ومدققين لغويين، واخصائيين تصميم مناهج تدريس، ومبرمجين ومترجمين وخريجي حاسوب وغيرها من المهن.
وكما أن هذه الفرصة متاحة اليوم كفرصة عظيمة ، إلا أنها أيضًا تشكل تهديدًا للجامعات التي لن تتبنّى التعليم الإلكتروني فتصبح فريسة للجامعات العالمية التي ستصل عاجلًا قبل آجلًا إلى قطاع كبير من الراغبين في الدراسة وربما ستضعف كثيرًا من الموقف التنافسي لهذه الجامعات وتهوي بها إلى مدارك أشد انحدارًا.
إنَّ الجامعات الأردنية اليوم في موقف يمكنها من قيادة هذه الصناعة إقليميًا، وربما يكون عدد كبير منها مجهز حاليًا بجميع الاحتياجات المطلوبة ولا ينقصها إلّا تلك الموافقات الحكومية وآليات العمل الخاص بضبط الجودة ومعايير الاعتماد.
آمل أن يجد هذا المقال طريقه إلى من يهمه الأمر وأن لا نفقد فرصة استثمارية علينا أن نستثمرها غدًا لأننا قد لا نجدها بعد غد.