حزب الله ومنظمة التحرير .. حكايات الرحيل
سميح المعايطة
18-05-2016 03:39 AM
بعد العدوان الصهيوني على لبنان عام 1982 كان مقاتلو فصائل منظمة التحرير الفلسطينية يخرجون من بيروت على ظهور ناقلات الجنود حيث السفن تنتظرهم ومعهم قائدهم ياسر عرفات وهم يرفعون اشارات النصر وبأيديهم بنادق متجهين الى تونس التي بقي المهاجرون فيها حتى كانت اوراق اتفاق اوسلو توقع مع الكيان الصهيوني, هذا الاتفاق الذي اعطى المنظمة حكما ذاتيا قيل حينها انه مؤقت على بعض الضفة وغزة، لكن هذا الاتفاق المؤقت بقي مؤقتا والفرق اليوم بعد حوالي ربع قرن على التوقيع ان سلطة الحكم الذاتي اليوم مقسمة الى جزءين متناحرين يحكم كل جزء فصيل يدعي انه الاقدر على حماية حقوق الشعب الفلسطيني.
وبين الانطلاقة حتى صعود السفن من بيروت باتجاه تونس الى توقيع الاتفاق مع كيان الاحتلال حوالي ثلاثين عاما دخلت هذه الفصائل فيها معارك خارج البوصلة في الاردن, وحتى في لبنان فان الفصائل دخلت الى معادلة الحرب الأهلية اللبنانية والاستقطابات بين الدول التي كانت تحكم لبنان.
لكن لحظة نهاية الدور العسكري لفصائل المنظمة كانت لحظة صعود السفن, ولأنها قضية فلسطين فان تفكيك عناصرها يحتاج الى سنوات وسنوات سواء في ادارة العلاقة مع المنظمة او مسار التوطين البطيء الناعم بانواعه, ولهذا فان ركوب السفن من بيروت حمل اول الطريق نحو تفكيك لاءات المنظمة وكان عام 1988 مرحلة مهمة عندما اعلنت المنظمة استقلال فلسطين والاعتراف بقرار 242 ويومها لم تستقل فلسطين لكن المنظمة اعترفت باسرائيل وبعدها كانت مبادرات حتى كان مدريد والوفد المشترك مع الاردن ثم القفز من هذا الوفد بشكل سري الى المفاوضات السرية التي انتجت اوسلو .ومعه انتهت المنظمة عسكريا وتحولت الى نظام عربي يطالب ويندد وينتظر الفرج من مبادرة اوروبية او امريكية.
وفي تفاصيل الازمة السورية التي نعيشها اليوم والتي يجب ان نعترف اجلا او عاجلا انها بوابة لاعادة رسم المنطقة وحلقة من حلقات تفكيك الحالة العربية، فان مشهد حزب الله اللبناني من المشاهد الكبرى في الصورة الكاملة, فحزب الله جزء مهم من ادوات المشروع الايراني الفارسي, وهي اداة قوية استطاعت في العقود الاخيرة ان تحتل مكانا شعبيا كبيرا نتيجة حروبها مع كيان الاحتلال, واصبح رقما في معادلة المنطقة العربية, لكنه لم يستطع ان يخرج من معادلة تبعيته للدول فخاض معاركها السياسية والعسكرية في العراق والبحرين واليمن لكن المعركة الكبرى كانت سوريا التي لم يكن يكفي من الحزب ان يعلن موقفا سياسيا او ارسال مستشارين عسكريين, فعندما يكون التقييم الايراني للازمة السورية انها معركة الامن القومي الايراني فان حزب الله لايمكن الا ان ينتقل بكل ثقله وقواته الى سوريا, فهي حربه لانها حرب ايران ولانها حرب الحزب ووجوده في لبنان.
الجميع يناقشون بقاء الاسد او رحيله, لكن الاهم نهاية الحزب واستمراره كقوة عسكرية لبنانية تصنع لنفسها ولمرجعيتها الايرانية نفوذا في لبنان والمنطقة.
ليست صدفة وليست اعمالا عادية ان تبتلع الازمة السورية حتى اليوم العديد من اهم القيادات العسكرية والامنية في الحزب, فضلا عن اعداد كبيرة من المقاتلين والمعدات واستنزاف مقدرات, وليس صدفة ايضا ان يكون انغماس الحزب في المعارك الفاصلة اكثر من انغماس وحدات من الجيش السوري.
على الارض السورية هنالك حروب عديدة منها معركة انهاك الحزب وتغيير اولوياته وان امكن تحويله الى جسم سياسي منهك على الارض اللبنانية, وقد يكون الحزب جزءاً من الصفقات التي سيشملها الحل النهائي للازمة السورية, وعندما يصعد من يتبقى من جنوده وقادته الى الشاحنات وناقلات الجنود عائدين الى بيروت ربما سيرفعون شارات النصر لكننا قد نكون مع مشهد لايختلف في نهايته مع مشهد خروج منظمة التحرير من بيروت ليعاد تأهيلها لتجلس بعد اعوام مع قادة اسرائيل ويكون المولود اتفاق اوسلو.
اعلم جيدا ان هناك اختلافا كبيرا بين بدايات فصائل المنظمة وحزب الله, وايضا في المنطلقات والولاءات وكثير من المسارات, لكن لكل منهما ساحة تكون آخر ساحاته العسكرية ويخرج منها الى شكل اخر وادوار اخرى.