في أحد الحوارات الوطنية الموّسعة التي جرى الحديث فيها عن فكرة حزب جديد يحاول أن يطرح أفكارا جديدة للتجميع والحشد يتم من خلالها تجاوز التخندقات الأيدولوجية والدينية والمذهبية والعرقية من أجل التأطير لحالة حزبية برامجية قادرة على حشد الطاقات والتخصصات العديدة في كل مجالات العمل المجتمعي يتم التنافس فيها على الانجازات وحل المشكلات وليس على الشعارات، قام أحد الحضور من الشباب النابهين وأثار تساؤلاً في غاية الأهمية يتعلق بمسألة الثقافة والأدب، وقال أين المسألة الثقافية في برامجكم الحزبية، وأين دور الكتاب والشعراء والروائيين في حزبكم الجديد؟
لقد لامس هذا الشاب مسألة جوهرية في غاية الأهمية وأعتقد على الصعيد الشخصي أن دور الفن والأدب والثقافة والفكر في عملية النهوض المجتمعي أصيلة ومحورية، ولذلك عندما كنت مسؤولاً طلابياً في أوائل الثمانينات في الجامعة الأردنية حاولت جاهداً إنشاء مسرح طلابي ناشىء، وبدأنا بتمثيل مسرحية «عالم وطاغية» ثم عمدنا إلى تشكيل لجنة متخصصة من الطلاب أنفسهم للكتابة والتمثيل، واستطاع الطلاب إنجاز مسرحية «نور السلطان» ومسرحية «ثورة السنابل» ومسرحية «قرية كان اسمها زيتونة» بجهد الطالب آنذاك «ماهر أبو الحمص» مع ثلة رفاقه المتميزين مثل «هاشم الكفاوين» و «محمود أبو غنيمة» وآخرين كثر لا أستطيع حصر أسمائهم، كما تم تشكيل لجنة تعنى بالشعر وكتابة القصة القصيرة والزجل الشعبي، واستطاعت الحركة الطلابية أن تبني حركة ثقافية نشطة، وأصبح مدرج «سمير الرفاعي» عامراً بالنشاطات الطلابية الأدبية المتنوعة، بالتعاون مع المسؤول الثقافي في الجامعة في ذلك الوقت «أشرف أباضة».
ما أود قوله في هذا السياق، إننا بحاجة إلى إذكاء شعلة الحركة الأدبية والفنية في أوساط الأجيال والشباب في المجتمع كله، وليس على صعيد حزبي أو تنظيمي محدد، لأن النهضة ينبغي أن تكون مجتمعية شاملة، ولا تخص لوناً سياسياً معيناً أو اتجاهاً فكرياً محدداً، مما يحتم على الأحزاب أن تدخل في برامجها وأعمالها وأنشطتها اللون الثقافي والأدبي والفني، ولذلك ينبغي توجيه الدعوة إلى الكتاب والفنانين والروائيين أن يكونوا جزءاً من عملية الحراك الحزبي والنشاط السياسي الوطني الواسع الذي يتجاوز حالة الخندقة وبناء الجدران بين مكونات المجتمع الواحد، وأن يكون الفن والأدب عاملاً من عوامل إعادة بناء الوحدة الوطنية ومعالجة التشققات المزمنة في جدار النسيج الاجتماعي عبر إيجاد الفن الملتزم بالمبادىء ومنظومة القيم المجتمعية التي تبني ولا تهدم، وتحارب التعصب والتمييز بكل أشكاله وألوانه.
الأدب والفن مؤشر على حالة التقدم الحضاري في المجتمعات، وهي لا تنفك عن مسارات المجتمع الأخرى السياسية والاقتصادية التربوية والعلمية، والأصل أن يكون الأدباء والفنانون مجسات مجتمعية دقيقة تجاه ما يتعرض له المجتمع والأجيال من أمراض متوقعة، وأن يسهموا في ترشيد السياسات المجتمعية الكبرى نحو الصواب، ومن هنا يتوجب على الدولة ووزارة الثقافة كما يتوجب علينا جميعاً الإسهام في رعاية الأدب والأدباء والفن والفنانين والمثقفين بطريقة ممنهجة مدروسة.
الدستور