تعنينا الرطبة لأنها تحاصرنا اقتصادياً، وتمنعنا عن السوق العراقي.
وتعنينا اذرعات لأنها أيضاً تحاصرنا وتحجز تصديرنا واستيرادنا عن سوريا ولبنان.. وتركيا وأوروبا.
وتعنينا الرطبة ودرعا أكثر لانها مصدر أكبر هجرة بشرية تداهم الأردن: فهما ساهمتا في تدمير البنية التحتية الأردنية باكتظاظ مدن وقرى الشمال بالخيام، وتخريب العمالة الأردنية بعمالة اللجوء الرخيصة.
وهاتان المعضلتان تدفعاننا الى استعمال القوة العسكرية لضرب المجموعات الإرهابية التي تسيطر على جنوب سوريا وغرب العراق. لكنَّ تداخل القوى الدولية والإقليمية تجعل من تدخلنا العسكري بمثابة مغامرة يمكن أن يترتب عليها توسيع ميدان الحرب وهي: حرب لا أخلاقية. ولا إنسانية ولا علاقة لها بشعوب المنطقة ومصالحها ومصيرها.
.. لنا نستمع من إذاعة لندن إلى أساتذة سياسة أكثرهم إنجليز وفرنسيين، في برنامج بمناسبة مرور مائة عام على توقيع اتفاق سايكس - بيكو الذي اقتسم فيه الطرفان الاستعماريان بريطانيا وفرنسا منطقة الهلال الخصيب. وكان السؤال: هل تتغيّر أحوال المنطقة الآن لو أن معاهدة سايكس - بيكو لم تكن؟!.
.. والجواب كان اقبح من السؤال: لن تتغير. وبمناورة دعائية شريرة لم يخطر للمتناقشين وعد بلفور لأنه كان، عملياً، جزءاً من المؤامرة. وكان هذا الوعد مترابطاً مع وثائق الانتداب في المنطقة الحمراء. وكانت تشمل فلسطين والأردن.
ونحن نرد على السؤال الإذاعي: لن تكون أمة الهلال الخصيب على ما هي عليه الآن: فسوريا الكبرى أعلنت استقلالها ووضع مجلسها المنتخب التاج على رأس فيصل بن الحسين ملكاً على سوريا. بشامها ولبنانها وفلسطينها وأردنها. ووضع فلسطين خارج الانتداب، وخارج وعد بلفور.
وكان لفيصل بن الحسين مشروعه الاتحادي:
- مملكة الحجاز.
- والدولة السورية.
- والعراق.
وترتبط هذه الكيانات الثلاثة بسياسات خارجية واحدة، واقتصادية مالية واحدة، وعسكرية واحدة.
إن تصوّر الهلال الخصيب دون دولة إسرائيل. ودون الأنظمة الديكتاتورية التي افترست روح الوحدة، ودون ارث الانتدابات: فاقتطاع الاسكندرون لمصلحة تركيا، والأحواز لمصلحة إيران. كان كرماً استعمارياً هدفه ارضاء الدولتين حتى لا تنضمان الى المحور الهتلري وجرى ذلك في عام 1938!.
ونعود إلى تاريخ أردني تمَّ طمسه: فقد قاتل عبدالله بن الحسين المؤسس لعزل امارته عن وعد بلفور عام 1923 وتمّ له ذلك. وبقي رحمه الله وفياّ للقرار القومي فقاتل من أجل «سوريا الكبرى».. وكان الأوفياء لمعاهدة سايكس - بيكو يرفعون في وجه مشروعه صفة الخيانة: على أنه مشروع استعماري.
إن قيادة عبدالله الثاني هي القيادة الحريصة على وقف حصار الأردن، وخنق اقتصاده بإغلاق الحدود، ودفع ملايين اللاجئين إليه. لكنها القيادة البعيدة عن المغامرات لأنها ما تزال وفيّة للقرار القومي.
الراي