أمس وقفت على الإشارة الضوئية, بجانب منزلي متجها إلى عملي ...كنت أقلب محطات الراديو, وما من أغنية تبعث النشوة في الخاطر, وقلبت بعضا من الشيبات اللواتي نبتن في اللحية وأنا أنظر في المراة الداخلية للسيارة, وقد غافلنني في لجة الأيام ونبتن دون أذن مني...وقلبت أيضا بين أوراق مركونة في جانب الكرسي بحثا عن (ولاعة) ...
وفي لجة إنشغالاتي طرقت بنت شباك السيارة, هي مثل أول نيسان حين تصحو في الصباح وتجد أن الندى قد استوى على سفح وريقات الورد, ولا تدري من نام على خد الاخر الندى أو الورد , عيونها خضراء , ووجهها أبيض ...ولا اكذب إن قلت لكم, أن وجهها مثل الغيم ..حين يمر مختالا من فوق صحراء رم ...
فتحت شباك السيارة , والقلب يرجف ...قالت لي وعلى الفور :- (عمو مضيع شي) ..بصراحة أوجعتني كلمة (عمو) ولكني أجبتها على الفور :- (أه ضيعت عمري) ...ضحكت وتبين لي أني حين غادرت منزلي , قمت بخلع الجاكيت قبل دخولي السيارة , ثم وضعت هاتفي النقال فوق غرفة السائق, ونسيته وانطلقت ...وكان أن جاء بين فرزات الحديد فوق الغرفة ..البنت لاحظت وجود هاتف خلوي فوق السيارة ونحن واقفون على الإشارة, فنزلت وحملته بيدها ثم أعادته لي ...
كنت أظن أنها عرفتني , فجاءت تسلم علي , وتبدل ذاك الصباح ...ولكن على ما يبدو فالعمر يمر والنسيان صار مهنة وليس حالة ...
شكرا أيتها البنت النبيلة , شكرا أنك أعدت لي هاتفي الخلوي ...وللعلم حين ضيعت قلبي ذات يوم في اللغة وعيون البنات ...لم يرده أحد إلي ...أتصدقين ؟ تركوه يضيع ...وحين ضيعت سواد لحيتي , وأعتراها الشيب ..لم يرد أحد لي ذاك الصبا الذي أمضيت أيامي فيه , على حواف الجنون والتمرد ...
وحين ضيعت ذات يوم قبر أمي , وأنا عائد إلى عمان في المساء ...وقلت في داخلي لاضير أن أقرأ الفاتحة عليها , فدخلت المقبرة وتهت بين صفوف الأموات وأكتشفت أني ضيعت مكان القبر ...فخفت , وقلت في داخلي :- الأموات هم الوحيدون الذين لايرحلون ...صدقيني يا بنت لم أجد أحدا يدلني عل القبر , ولكن قلبي ..أخذني إلى ذاك التراب الطاهر ..هل رأيت قلبا يقود صاحبه ؟ وأجلسني على حواف القبر وقرأت الفاتحة ..ورحلت .
اشياء كثيرة ضيعناها في العمر , وجئت أنت كي تستردين هاتفي وتعيديه لي ...
المهم ..فتحت الإشارة , ومشيت...وصرت أقلب هاتفي وأقلب محطات الراديو فكان أن ظهرت لي أغنية قديمة تقول كلماتها :-
إللي مضيع ذهب بسوق الذهب يلقاه
واللي مضيع حبيب يمكن سنه وينساه ...
وأظنكم تعرفون نهاية الأغنية...
الراي
الرد على تعليق