في الأردن، لم نسمع مستثمرا، محليا كان أم أجنبيا، يشكك بنعمة امن هذه البلاد المباركة بفضل الله وقيادتها وأجهزتها الأمنية التي غدت شريكا أساسيا في عملية التنمية الشاملة، لجهودها المبذولة في توفير الركن الأهم ، ألا وهو الاستقرار.
وفي المقابل، سمعنا من مستثمرين أن غياب الحد الأدنى من عنصر الأمن في دول مجاورة يحول دون المغامرة في تشغيل أموالهم فيها، لقناعتهم أن نجاح ما يطمحون إليه لا تتعدى نسبته في أحسن الأحوال 40 بالمائة، مع أنهم حاولوا أن يرفعوا هذه النسبة بأموالهم فيما يخص مشروعاتهم.
ولان الاستقرار، كما يسميه اقتصاديون "نصف القرار بالاستثمار" فالحراك الملكي تجاه تعزيز الأمن الاجتماعي والاقتصادي للمواطن، الأصل أن تقابله حركة موازية من القطاع الخاص تساهم في تعزيز الأمن الشامل، الذي سيكون هو أول الضحايا إذا ما أصابه خلل "لا قدر الله".
فالامتيازات التي تقدمها الحكومة للاستثمارات المحلية والأجنبية في سبيل توفير كل مقومات النجاح لها، هي في حقيقة الأمر خدمة، يفترض أن تقابل بمبادرات من شأنها تمكين السلطة التنفيذية من أداء كافة الواجبات الموكلة إليها للمضي في مسار التنمية الشاملة بعيدا عن أي مطبات أو معيقات.
ولان التجربة أثبتت أن "الخير" عندما يعم "يخص" فان المنظمات أو الجمعيات الأهلية التي ينضوي تحتها رجال الأعمال في حراكهم الجماعي، بإمكانها الدعوة مثلا إلى اقتطاع واحد بالمائة من أرباح الشركات لإنشاء صندوق لمكافحة البطالة وتدريب العاطلين عن العمل وفق حاجات السوق ودعم صندوق التنمية والتشغيل لزيادة حجم تمويل المشروعات الصغيرة وأيضا صندوق المعونة الوطنية لتحسين أوضاع المعوزين المستفيدين منه.
فإذا افترضنا أن إجمالي أرباح القطاع الخاص في عام واحد بلغ خمسة مليارات دينار، فان نسبة الواحد بالمائة تساوي خمسين مليون دينار. وهذا المبلغ من شأنه أن يساهم في تغيير الأحوال في بلد مثل الأردن خاصة في الإطار سالف الذكر.
وسيقول البعض إن هذا تطفيش للاستثمار، ولكن إذا فكرنا بقدر ابعد من انفنا، فان تدريب العاطلين على العمل وفق متطلبات السوق من شأنه المساهمة في إحلال العمالة المحلية مكان الوافدة، وكذلك إتاحة الفرصة لشبابنا العمل في الخارج ويصبحوا موردين للعملة الصعبة التي هي من أهم مرتكزات الاستقرار الاقتصادي الوطني.
أما دعم المشاريع الصغيرة فمن شأنه تفجير طاقات مهارية وإنتاجية كامنة في صفوف البطالة بسبب عدم وجود رأس المال وخلق فرص عمل بالآلاف. وبدعم المستفيدين من صندوق التنمية الاجتماعية فهذا من شأنه تمكين الحكومة من توجيه الإنفاق إلى أولويات أخرى، كالمقاولين الذين اضطروا إلى الاستغناء عن خدمات الكثير من العمال الأردنيين لتجنب الخسارة في عطاءات جراء الارتفاع الصاروخي غير المسبوق لأسعار المحروقات.
صحيح أن القراءة للأمر برمته لن يخرج عن انه نفقات إضافية يتحملها القطاع الخاص الذي نحرص على تعظيم استثماراته، ولكن في القراءة المتأنية والدقيقة سنجد انه استثمار مباشر لـ "الفقر" لأنه في نهاية الأمر سيتحول إلى إيرادات لكافة القطاعات.
ما دام المواطن يرى شركات تحقق أرباحا بمئات الملايين والحكومة تسدد جزءا كبيرا من المديونية دون أن يتحسن حاله الاقتصادي قيد أنمله، سيظل خصما عنيدا للخصخصة، والعكس صحيح.
ولذلك، فانعكاس التصاعد الايجابي غير المسبوق لنسبة النمو الاقتصادي خلال السنوات الثماني الماضية على المواطن هو من مسؤولية القطاع الخاص الذي تحركت قلة منه فقط تجاه واجباتها الاجتماعية والاقتصادية التي أثقلت كاهل الدولة لاسيما وهي تواجه أزمة ارتفاع الأسعار العالمي غير المسبوق.
*** الكاتب رئيس تحرير صحيفة الحقيقة الدولية..