لا تكاد أخبار وقائع الانتحار ينقطع تداوالها في الاعلام، كل اسبوع تقريبا نطالع خبرا لواقعة انتحار، ولكن ما هو لافت أن الانتحار في الاردن انزلاق من ظاهرة فردية الى جماعية واخرها حادثة دوار الداخلية. وهذا ما يبقي السؤال عن الانتحار نفسيا واجتماعيا مغايرا بكل المعايير والمقاييس، وحيث ما تزال الاجابات مغلفة بمزيد من المواراة وتجنب الاعتراف بـ"فضائحية المجتمع» والانهيار الباطني الذي يعشعش في احشائه.
الاسئلة بالطبع تحاكم، ولربما أن بعض الاجوبة هي القوة، والتستر والتغاضي وعدم الاكتراث واللامبالاة وتهريب الازمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية العامة وترحيلها لا تصدر الا من سلطة ضعيفة وهشة ومترددة وخائفة. تصدع بنيان المجتمع وانشقاقاته العميقة لا تبدأ الا من الفراغات والشقوق الصغيرة واللامرئية.
الانتحار سواء المتحقق أو المتردد، يعبر بالباطن والعلن عن انحراف بالمسار الحياتي الانساني، هي لحظة ينقطع بها «حبل المسرة» مع المجتمع والناس، ويصل بها المنتحر الى حالة من التخبط على وجهه، يهيم دون وعي واحساس بالمسؤولية في ذلك الخضم الى خيارات مدعمة بالبؤس والعدم في الطريق نحو الموت العابث.
الارتفاع بات ملحوظا لأعداد المنتحرين ومحاولي الانتحار بحسب الوقائع المسجلة لدى الاجهزة المعنية، وحوادث انتحار يجري التستر عليها بفعل عقائد دينية وتقاليد اجتماعية تتجنب الاعتراف بالانتحار، باتت وقائع الانتحار تطارد مسامعنا، بعضهم يقفز من فوق بناية شاهقة، والبعض الاخر يتناول سما، واخرون يطلقون النار على رؤوسهم.
بحسب السجلات الرسمية فان اصغر محاولي الانتحار شاب عمره لا يزيد عن 18 عاما، وأما أكبرهم عجوز يبلغ من العمر 75 عاما، وقد توفي بعدما اطلق النار على رأسه داخل شقته في عمان قبل عدة شهور، ويضاف الى ذلك أيضا محاولات انتحار لعاملات منازل من جنسيات اجنبية، ويقارب عدد الحوادث انتحارهن سنويا نحو 50-70 واقعة.
من لم ينجحوا في الانتحار، يكونون قد اكتفوا بايصال رسائل غضبهم ورفضهم، وليفتوا انظار العالم لحجم المعاناة المعيشية التي يقاسيها المنتحرون، والتي احيانا تسد كل الافق العامة في حلها، ولا يبقى أمام الانسان الا خيار الانتحار اهون من الاستمرار على الحال نفسه.
ولربما هي الرسالة التي تتقاطع معظم وقائع الانتحار لايصالها، فحادثة الانتحار الجماعي على دوار الداخلية تبين أن ابطالها عاطلون عن العمل، ويعانون الامرين من %البطالة والفقر، ولجوء لهذا» الخيار العدمي» لأظهار الضائقة المعيشية التي يعانون منها اجتماعيا وماليا.
الدستور