ما هو النموذج الملهم الذي يمكن ان نفذمه لشبابنا واين هو ؟ ثم من يا ترى يمثله من طبقات النخب والمسؤولين ..؟
اثارة هذه الاسئله ليس مجرد ترف , ولكنه في صميم واجباتنا واولوياتنا الوطنية , هذا اذا افترضنا ان لدينا من يفكر بالواجبات والاولويات , كما ان توقيت طرح هذه الاسئلة مهم في حد ذاته , اولا لان البوصلة العامة للناس , وتحديدا الشباب , اصبحت تائهة تبحث عن اتجاه , اي اتجاه , تهرب اليه , وثانيا لان المناخات السياسية والاقتصادية افرزت طبقة من “ الانتهازيين “ والسماسرة الذين اصبحوا , بقدرة قادر , يتقدمون الصفوف , ويمثلون على على مسارحنا العامة , ويطرحون انفسهم كنماذج ملهمة ومنقذة ايضا , كما ان هذه المناخات السائلة نفسها افرزت من الناس اسوأ ما فيهم , بحيث تراجعت القيم والاخلاقيات المعتبرة التي كان مجتمعنا يعتز بها , وحلت مكانها قيم “ مغشوشة “ , اما ثالثا فلاننا في مرحلة ما من تاريخنا الوطني شهدنا نماذج حقيقية لمسؤولين كبار ورجال دولة وموظفين اتسموا بالنظافة والاستقامة والنزاهة , وظلت صورتهم في ذاكرة الناس تحفزهم على الانتماء والخير والتضحية حتى وقتنا هذا .
اين المشكلة : هل هي في المجتمع الذي اصيب بالعقم حتى عجز عن “ ولادة “ مثل هذه النماذج , ام في المناخات العامة التي “ اممّت “ هذا المجتمع واوصلته الى اليأس والاحباط ، وانتزعت منه القدرة على التفكير والعطاء ودفعته الى التعامل مع اهم قضاياه بمنطق “ وانا مالي ؟”.
حين ندقق في مشهدنا العام نكشتف ان لدينا اعدادا كبيرة من المسؤولين والنخب , منهم من يتربع على كراسي المسؤولية ومنهم من نزل عنها واعتكف في بيته , كما نكتشف ان اغلب هؤلاء انخرطوا في لعبة تبادل الادوار , لكي لا اقول تصفية الحسابات الشخصية استعدادا للعودة الى المواقع الرسمية , ثمة عدد قليل من “ هؤلاء “ حافظ على ثقة الناس به , او استطاع ان يخرج من “ ثيمة “ التصفيات التي وضعت المسؤول , اي مسؤول , في دائرة الاستفهام , وربما الاشتباه ايضا .
في بلدنا , كان ثمة “ رجال “ دولة , قدموا نماذج مضيئة لشبابنا , صحيح ان ذاكرتنا الوطنية لم تحتفظ الا بعضا من هذه الاسماء المعتبرة , لكن الصحيح ايضا ان قيمة “ رجال “ الدولة انذاك لم تكن تقتصر على الكبار فقط , وانما كان ثمة موظفين في الدولة استطاعوا ان يعبروا عن مبادئ الدولة وقيمها واعتباراتها , اقصد هنا استقامة الدولة ونزاهتها وتوازنها وعلاقتها مع كوناتها المختلفة ، وبالتالي فان الناس آنذاك اعتبروا ذلك في صميم الواجب الوطني ، ولا يحتاج اصحابه الى اي شكر او احتفاء.
لا تسالني اين هم الان , اريد فقط ان اذكّر القارئ الكريم ان شبابنا الذين احتلوا احدى البنايات للانتحار , كانت – ربما – تراودهم اسئلة مهمة , مثل : لماذا نجوع ويشبع غيرنا ؟ لماذا يصبح المسؤول في غمضة عين من الاثرياء ويبقى آباؤنا الذين لم يحظوا بموقع وظيفي عام في دائرة الفقر والعوز ؟ لماذا يتعين ابن المسؤول في وظيفة مرموقة ويبقى ابن المزارع الذي يحمل احدى الشهادات عاطلا عن العمل ؟ لكل هذه الاسئلة وغيرها من المقارنات تفرزها وقائع واحداث نقرؤها ونراها باعيننا باستمرار , خذ قضية تعيينات ابناء النواب واقربائهم في البرلمان , خذ مثلا استثناءات التعيين في بعض الوزارات , خذ ثالثا صور” الثروة” التي هبطت على البعض من خلال “ براشوت “ الموقع الذي وصل اليه , خذ المال الاسود الذي تحول الى رافعة كبيرة لبعض الذين يتسيدون مشهدنا العام ، خذ خالة الاثراء التي لا يمكن حين تراها ان تصدق انك في بلد فقير..؟
ارجو ان يساعدني القارئ الكريم في الرد على اسئلة الاف الشباب الذين نطلب منهم ان يتجاوزوا ثقافة العيب حين يبحثون عن عمل , او الاخرين الذين نعاقبهم لان اقدامهم ضلت الطريق نحو التطرف بعدما اكشتفوا ان طريق الموت افضل طريق للنجاة , اوالذين عزفواعن العمل العام واستقالوا من السياسة وتورطوا في المخدرات وارتكبوا الجرائم ... الخ , كل هؤلاء الا يحتاجون الى نماذج وطنية ملهمة نقدمها اليهم كي نقنعهم ان البلد بخير وان المجتمع ما زال يحافظ على القيم الفاضلة ، اقلها لكي نطمئنهم على ان موازين بالعدالة والمساواة والتكامل ما زالت قائمة, والاهم على ان الدولة للجميع , وعلى ان القانون فوق الجميع .
بصراحة , الازمة التي يمر بها بلدنا في هذه الايام صعبة , تحتاج الى نماذج وطنية صحيحة , تخرج عن صمتها , وتستعيد مصداقيتها , ووتتجاوز مكاسبها وحساباتها الذاتية , لكي تتقدم الى الناس وتساعدهم على تحديد اتجاه البوصلة العامة , ولكي توقظ فيهم روح الانتاج والتضحية والانتماء , لكن يبقى السؤال المهم هو : من هؤلاء واين هم , وهل يعاني فعلا مجتمعنا من القحط في هذا المجال ؟ لست متشائما , ولكني فعلا ادعو الى يقظة وطنية يقودها رجالات دولة حقيقيون , قادرون على انتزاع اعتراف واحترام الجميع والا فان قادمنا سيكون محفوفا بالمخاطر.
الدستور