في كل بيت أردني ريفي , ثمة زاوية في طرف (الحوش) أو الحديقة مزروع فيها كميات من النعنع , وأنا كنت أجزم أن النعنع على الشاي مجرد ترف تمارسه الأسرة , فالشاي اصلا له مذاق واحد ويجب أن لايتغير ...
كان لي وظيفة مهمة في الطفولة, لم يكلفني أحد فيها بل كنت أمارسها من تلقاء نفسي وهي سقاية النعنع , وأبي في سويعات العصر حين لا يجد شيئا يقوم به , يذهب إلى (البربيش) ويسقي النعنع أيضا ...ومن الممكن , أن يقوم أي واحد من أفراد العائلة بهذه المهمة .
لقد حظي النعنع بدلال منقطع النظير , ولو أحصيت حجم ليترات الماء التي سكبناها عليه , لفاض سد الموجب منها ...
الشاي في كل دول العالم , له مذاق واحد ..وعذوبته تكمن في عدم تغير المذاق , بعكسنا تماما فنحن في كل إبريق شاي يتم تحضيره كان يوجه لي أمر أشبه بالأمر الرئاسي :- (جيب شوية نعنع يا بوي) ...
الأخطر من ذلك , أن ثمة تنبيهات واضحة , كانت تصدر لنا بضرورة الإبتعاد عنه, فكلما قمت بركل الكرة في حديقتنا سمعت صوت أبي يهدر :- (يا ولد إبعد عن النعنع) ...
مع أن رب الاسرة من الممكن أن يزرع في الحديقة منتوجات استراتيجية , مثل البندورة والكوسا , والبطيخ أحيانا ...إلا أن النعنع كان يحظى بالدلال الأكبر .
قضية النعنع في الذهن الأردني , تشبه إلى حد كبير , مسألة تكنولوجيا المعلومات ...فنحن نهتم بها كثيرا إلى الحد الذي أنشأنا وزارة خاصة بها علما بأن هناك أولويات في الدولة تعتبر أكثر إلحاحا ...
الإقتصاد لدينا يشبه ( حوش) الأردني , فالنعنع هو الأكثر دلالا وإهتماما وقصة تكنولوجيا المعلومات في الخطاب الرسمي هي الأكثر دلالا أيضا ..
(جوجل) ما بطعمي خبز ...والفيس بوك لا يغني عن العدس في المجدرة ..والشاي ممكن أن تحتسيه بدون نعنع فمذاقه صدقوني أجمل ..ولكننا للاسف نملك خطابا إقتصاديا أستطيع ان أسميه خطاب (النعنع)...
وما زال (النعنع) يتصدر لدينا سلم الأولويات .
الراي