لقد سن لنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم توجيه النصيحة لأولياء الأمور حين قال (الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) والنصح لله تبليغ كلامه، والنصح للرسول تبليغ سنته، وكل الوعاظ يوجهون النصح لعامة الناس، أما أئمة المسلمين وهم "العلماء والحكام" فقليل توجيه النصح لهم.
إن الموقع الذي تشغلون يفرض علينا أن نوجه النصح، ويفرض عليكم البحث عمن ينصح لكم، لأن الذين ينافقون كثيرون وأنتم تعلمونهم فهم والله غير محبين لكم بل محبون للمال والجاه الذي معكم ولو انقطع عنهم شيء من المدد لصاروا نباحين ذوي ألسنة حداد ينالون منكم ويكشفون الطوابق والأسرار ، وقد رأيتم فيما سمي بالربيع العربي كيف انفض هؤلاء المنافقون لصوص المال العام عن حكامهم الذي سقطوا من كراسيهم ولم يجدوا من السحيجة من ينتصر لهم!
أما ما أقوله فليس عن غضب ولا عن طلب شخصي بل هو تنفيذ للحديث النبوي الشريف لأننا في الإسلام مطالبون بالنية قبل العمل حتى يكون مقبولاً عند الله تعالى . فنحن ابتداء لا ننازعكم السلطة ولا يهمنا أن نكون السلطة بل يهمنا أن تكون السلطة في الاتجاه الصحيح ولهذا ندعو نحن معشر خطباء الجمعة لكم بالخير والتوفيق لخدمة الأمة ولتحقيق عزتها وأن يهيئ الله لكم بطانة صالحة وأن يبعد عنكم بطانة السوء.
إنكم تعلمون كل السلبيات الموجودة في البلد الذي تحكمون ومع ذلك نذكركم لأن الله سائلكم عن كل شيء ، كما قال عليه السلام : (إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع) فأنتم كبقية خلق الله ستغادرون السلطة اليوم أو غداً فماذا أنتم حاملون في جعبتكم بين يدي الله؟! لقد رأيتم عدداً من أقرانكم الذين غادروا هذه الدنيا فهل أخذوا المال؟ هل حملوا القصور؟ أين ذهب الحرس؟ آين هم المقربون الذين حلفوا لهم أغلظ الأيمان؟ أين الذين قالوا: قائدنا الى الأبد ...؟
أين ذهبت الأرصدة في البنوك الدولية؟ أين ذهبت الأراضي التي أخذتموها من الناس؟ لن يذهب معكم سوى ما فعلتم من خير وإحسان للفقير وتعليم للطلبة وإنشاء المستشفيات وإسناد المهام للأمناء وإبعاد للمنافقين الطامعين. سيرافقكم الذكر الحسن بعد مغادرة السلطة والله أعلم بكم ونواياكم، سيشهد لكم التاريخ على مواقفكم في الدفاع عن الأمة وقضاياها تجاه الأعداء مصاصي الدماء وما أكثرهم!
إن وضع أمتنا لا يرضي الله تعالى فهي مقسمة مجزأة مقدساتها مدنسة وأرضها محتلة تداعت عليها الأمم المستعمرة، أمة تعيش الضعف والهوان بينما غيرها من الأمم تبني وتعلي من شأنها، ألم تتعرض اليابان لهجوم بالقنبلة الذرية ومع ذلك استطاعت بناء نفسها فصارت اليوم من أعظم الدول، انظروا الى الهند "مليار من البشر" ومع ذلك هي دولة نووية مهيبة الجانب، أنظروا الى الصين التي بلغ عدد سكانها ما يساوي عدد المسلمين في العالم ومع ذلك فهي دولة عظمى عسكرياً واقتصادياً! انظروا الى استراليا منفى اللصوص والمجرمين صارت دولة قوية! لا أحملكم مسؤولية ما ورثتموه من سلبيات لكننا نريد منكم العمل على تجاوز تلك السلبيات فالمهم أن تبدأوا بالخطوة الإصلاحية المتمثلة بإصلاح إدارة كل بلد بالحرب على الفساد وإبعاد الفاسدين ونبذ المنافقين وتقريب المخلصين الأمناء المتقنين للعمل وبعدها سيصلح كل شيء من تعليم مدرسي وجامعي واقتصادي سيراً نحو التخلص من المديونية وبناء الاقتصاد الذاتي والتكامل بين أقطار المسلمين. ولا بد من اصلاح الإعلام للحفاظ على هوية الامة ودينها وثقافتها بمنع كل ما يخرق ذلك مما يحتاج الى تنظيف البرامج من عوامل الهدم. إن الإصلاح الإداري هو الأساس حيث يتنج عنه اصلاح سياسي واقتصادي وتعليمي واعلامي واجتماعي كل ذلك بتولية الأمناء وإقصاء الفاسدين لأنكم لن تجنوا من الشوك العنب . وأختم بحديث نبوي شريف (من استعمل رجلاً على المسلمين وهو يعلم أن في المسلمين خير منه فقد برأت منه ذمة الله ) مذكراً بالجائزة التي وعد بها الحاكم العادل في قول النبي صلى الله عليه وسلم (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل الا ظله: إمام عادل ....... ) .