قبل يومين أطلق الأردن برنامجا ترويجيا للسياحة بهدف إلقاء الضوء على جمالياته وصورته التاريخية الثقافية وأهمية سماته المناخية والطبوغرافية والدينية والعلاحية. كان من المفروض أن يرعى رئيس الوزراء الحدث؛ فهو الذي اقترح فكرة تحديد اليوم الأردني للسياحة وتبنته الحكومة ممثلة بوزارة السياحة التي دعت إلى حفل الإطلاق واحدا من الإعلاميين العرب الذي أخذ جولة واسعة في طول البلاد وعرضها ونقل انطباعاته عن جماليات الأردن وما يمكن أن يغري السياح العرب والأجانب والمسيحيين والمسلمين وعرض لما يمكن أن يجدوه في الأردن ولا يتوفر في غيرها من البلدان.
الضيف المتحمس للأردن وجمالياته قرر أن يبثّ من جبل القلعة وسط عمان حلقة من برنامجه التلفزيوني الشهير "وحش الشاشة" ليبين لمشاهدي قناة الجديد اللبنانية جمال المكان والاهتمام الأردني الرسمي بالمناسبة. في احتفال الإطلاق الذي غاب عنه الرئيس وانتدب نائبه وزير التربية والتعليم حاولت الوزارة والهيئة أن تضخ في المناسبة روحا وحماسا، لكن الأمر لايبدو سهلا.
فبالرغم من وجود الشعار الجديد "السياحة مرايتنا ...خليها بعيونك"، إلا إن الإجراءات التي سيجري اتخاذها للتنشيط بقيت غير واضحة...فتحديات السياحة كثيرة ومتنوعة والبرامج التي جرى الحديث حولها متواضعة مقارنة بالتحديات. الصور التي عرضها الاحتفال للمواقع السياحية مألوفة وفكرة فيض مشاعر التقديرلعمال الوطن فكرة جميلة لكنها لن تغير كثيرا في الواقع، وحتى الإعفاءات التي شملها قرار مجلس الوزراء الأخير للمنشآت والخدمات السياحية قد لا تفيد السياحة كثيرا إذا ما بقينا نتخبط في تحديد أهدافنا ومشكلاتنا وترددنا في تبني برامج شمولية غير ترقيعية تمكننا من الوصول للأهداف.
الموقع الجغرافي للأردن مهم وقيمته التاريخية والحضارية معروفة هي الأخرى، لكن الذي لا يدخل في حساباتنا كثيرا أهمية بلورة رسالة ترويجية للسياح تشتمل على قصة جاذبة للمكان تتجاوز حكاية أن الرومان كانوا هنا واليونانيين هناك...السائح يحتاج أن يرى فصول التاريخ الإنساني بصورة أكثر جاذبية من مطالعة أكوام من الحجارة واسترجاع الأدلاء لمقتطفات من المقررات التي تعلموها في كليات الآثار أو سمعوها من الأجيال التي سبقتهم من الأدلاء.
في كثير من المواقع السياحية لا يوجد ما يمكن أن يقوم به السائح بعد تفقده للمواقع الأثرية وأحيانا تفتقر المواقع والمسارات إلى حمامات نظيفة يمكن أن يتوقف فيها الزائر وفي مرات كثيرة يتعرض السياح لاستغلال منظم يقوم به الأدلاء وتجار التحف الذين اتفقوا على تقاسم فائض قيمة الهدايا والتحف التي تباع للسياح بثلاثة أو اربعة أضعاف سعرها الفعلي...ناهيك عن افتقار خططنا وبرامجنا لأية بنى وتسهيلات توفر التسلية والمتعة والترفيه.
في السنوات الاخيرة ومع تقدم مكانة الأردن في السياحة العلاجية واختيارها مقصدا لعشرات الآلاف من طالبي الاستشفاء، حاول البعض استغلال حاجة القادمين من أجل العلاج فشكلوا شبكات تتولى محاصرة واستغلال المرضى ومناولتهم من الوكلاء إلى السواقين إلى الاطباء وأصحاب النزل مما أساء لسمعة المهنة وصورة البلاد في أذهان طلاب الاستشفاء.
مشكلات السياحة في الأردن لا تتوقف عند قلة معرفة السائح بخصائص وميزات الجغرافيا والتاريخ والبيئة الأردنية ولا من تعقيد الإجراءات وعدم توفر أو ملاءمة الخدمات في المواقع السياحية، وإنما تتعداها إلى ضعف التدريب للكوادر العاملة وغياب القصة المقنعة والمتكاملة للمكان ووجود شيء من الاستغلال في ممارسات البعض.
في الجهود الوطنية التي تشكل أولوية للأردن الرسمي والأهلي أفكار كثيرة لكن بعضها يحتاج إلى إعداد وبلورة وتمحيص يربط بين السياسات والبرامج وبين الميزات النسبية للمكان ونوعية الخدمات دون إغفال الأبعاد الثقافية والتنموية والمشاركة الكاملة للمجتمعات المحلية التي تشكل البيئة الحاضنة والداعمة لكل مبادرات التغيير والتنشيط والتطوير.
الغد