نوره أبو غريقانه في " المنطقة الخاصة " في العقبة
ياسر ابوهلاله
05-08-2008 03:00 AM
تفخر بما أنجزته الطالبة نوره سليم أبو غريقانه من إنجاز في الثانوية العامة . وقليل عليها أن تكون عنوانا في " الغد " :" سراج الكاز يضع نوره بالمرتبة الأولى في نتائج التوجيهي في العقبة " . ولولا تقرير الزميل أحمد الرواشدة لما اختلفت حالها عن كثيرات من المبدعات والمتفوقات المنسيات . فأختها المتفوقة في جامعة الحسين ، حصلت بعد لأي ، حصلت على منحة من " صندوق الطالب الفقير " يؤمن رسوم الدراسة ، والباقي يقاتل والدها العامل في الميناء من أجل تأمين السكن والموصلات والكتب والمصاريف . ومن الثلاثمئة دينار التي يحصل عليها يدفع زهاء الربع لسداد قرض دراستها ، وبقدر ما هو فرح بنتيجة ابنته الأولى على المحافظة والسابعة على المملكة محتار كيف سيحصل على قرض ثان!
تخجل هنا ! من قلب المستحيل تمكنت نوره من تحقيق هذه النتيجة . ولا يستطيع المجتمع والدولة أن يقدموا لها بعض حقوقها . ماذا يفعل أب يعيل أحد عشر إنسانا أكثر من ذلك ؟ وماذا فعلنا له في منطقة طرمنا الحديث عنها " المنطقة الاقتصادية الخاصة " ! تحدثت مع الأب وقد سره الاهتمام المفاجئ لكنه لا يدري ما الخطوة المقبلة لتأمين دراسة ابنته ، وينهي حديثه " خليها على الله " . لا ينزل الله عزوجل منحا من السماء لتدريس المبدعين ، مسؤولية عباد الله في الدولة والمجتمع في المناطق الخاصة والعامة أن يتكافلوا بينهم .
ترجع نوره الفضل بما حققته إلى " توفيق الله أولا " الذي هيأ أسرة تساندها ، ومدرسة ترعاها . وترى أن إنجازها " جهد جماعي ". فمديرة المدرسة والمعلمات ثابرن لتحقق الطالبات نتائج مشرفة . يذكرنا هذا بتقرير البنك الدولي الذي وضع الأردن في المرتبة الأولى على المنطقة في التعليم خلال الأربعين عاما الماضية . فثمة جيل من التربويين حقق تراكما صمد أمام قسوة الظروف الاقتصادية . فالمعلمات والمديرة لم ينشغلن بمتابعة الدروس " الخاصة " بل بذلن وسعهن لتدريس الطالبات دروسا إضافية على المقرر .
يشد على يد الدولة التي أمنت مبنى مدرسيا وطاقما تعليميا ومنهاجا ، في المقابل تغاضب الدولة على تقصيرها ، فالدولة ليست وزارة التربية وحدها . فعندما تدرس بنت في هذا
الزمان على سراج الكاز ، وعندما ينتهي الكاز توقد الحطب ، هذا برهان على عصامية الفرد وجده بقدر ما هو فضيحة للدولة والمجتمع . سألتها وهي من بدو الجنوب إن كانت سكنت بيوت الشعر ، فلعل الانتقال من بيوت الشعر إلى الإسمنت كان متسرعا ، أجابت بالنفي ، سألت وأين سكنتم من قبل ؟ الجواب كان صاعقا : " هذا بيتنا الثاني الأول هدموه " . بالعودة للوالد تبين أنه من " المعتدين " على أراضي الدولة !!! وعندما هدم بيته الأول عام 1998 وعدوه بالتعويض ، وهو مالم يحصل إلى اليوم ، وهو بانتظار هدم بيته الثاني !
بربكم أي أرض تقل هذا البدوي وأي سماء تظله ؟ يتساءل ببراءة " أين نذهب ؟" طبعا لم يؤمن له ولقومه " المعتدين " على أراضي الدولة أي خدمات بما فيها الكهرباء . وفي ذلك حكمة ، فالعائلة ارتاحت من مشاهدة التلفزيون الأردني الذي يبشر حتى اللحظة بخوارق المنطقة الخاصة . ولا يبدد وقت الشبيبة مسلسل نور ولا فضائيات تشعرهم كأنهم من سكان كوكب آخر . تستمع نور ل"الإذاعة الأردنية " وكذلك ل" صوت العرب " هل يوجد أحد غيرها يستمع لصوت العرب ؟
ليس كل " المنطقة الخاصة " قسوة على الفقراء في التخوم والهوامش . تؤمن شركة سرايا عشر منح سنوية ، لكنها لا تكفي . فتغطية الرسوم يشكل ربع الكلفة الحقيقية للتعليم . وهي مشكورة على منحها وبإمكان ثري واحد ممن عملوا ملاين في العقبة أن يؤمن دراسة نوره ويكون عائدها الاستثماري مضمونا . قبل سنوات كتبت عن طالبة من جرش اسمها منى المومني حصلت في جرش على المرتبة الأولى في المملكة . ولا أعلم ما حل بها ، ويومها قلت أن منحة التعليم العالي لا تكفي لمواصلتها ولا لسكنها و.. حال نوره من حال منى .
سراج أمل لا سراج كاز يشعله أولئك الطيبون في الجنوب . ترغب نوره في دراسة اللغة الإنجليزية والألمانية ، لأنها تحقق فرص عمل . والمأمول أن لا تدرس لتعمل ، بل لتكمل دراستها وتشاهد عن كثب العالم الحديث الذي لم يصلها منه حتى الكهرباء . وليظل سراج الكاز وموقد الحطب ذكرى أليمة لعالم ضن عليها وقسا .
abuhilala@yahoo.com
عن الغد.