يجب المضي في طريق الإصلاح الوطني الشامل بوتيرة عالية تسابق الزمن عبر منظومة متوازية ومتكاملة تشمل جميع المسارات دون توقف، وفقاً لرؤية واضحة وشفافة ومتفق عليها، بالمشاركة مع كل الأطراف الفاعلة بإيجابية على مستوى الدولة، ابتداءً من الجانب الرسمي ومؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية، مروراً بالأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، وانتهاءً بكل المؤسسات الشعبية والمكونات المجتمعية.
أن نمضي إلى الإصلاح بدون توتر وبعيداً عن كل أنواع الضغوط بجميع أشكالها، وبعيداً عن لغة المناكفة والانقسام ولي الأذرع، ودون الحاجة إلى الخروج إلى الشارع؛ يمثل فرصة سانحة للإصلاح الحقيقي القائم على الإدراك الهادىء والمتروي للمصلحة العامة الحقيقية، والمنبثق من رؤية استراتيجية بعيدة المدى، والمستند إلى إحساس حقيقي وجدي بجسامة الأخطار المحدقة بنا، التي لا مجال ولا قدرة على مواجهتها إلّا من خلال قناعة تامة لدى القيادة والشعب بأهمية التطلع إلى المستقبل.
الإقلاع نحو المستقبل ضرورة ملحة من أجل الحفاظ على البقاء، ومن أجل الحفاظ على الوجود في الوقت الحاضر، وهذا يقتضي بشكل محتم البعد عن تكرار الأخطاء، والبعد عن الأشخاص والوجوه التي يرتبط وجودها بوجود هذه الأخطاء القاتلة، التي شكلت نقاط سوداء مظلمة في مسيرة النهضة الأردنية الحديثة، كما يقتضي ثانياً عدم تكرار المنهجية ذاتها التي أنتجت تلك الأخطاء، لأنه ليس من المعقول الوصول إلى نتائج جديدة عبر تكرار الوسائل السابقة والمنهجية السابقة والوجوه السابقة ذاتها التي أدت إلى الأخطاء السابقة، فهذا أمر مرفوض في علم الإدارة ومنطق التقويم العلمي الصحيح.
الخوف الحقيقي يكمن في قناعة بعض الشخصيات والنخب المؤثرة من أصحاب النفوذ، بأننا تجاوزنا مرحلة الخطر، أو بأننا نختلف عن غيرنا من الأقطار الشقيقة التي ذهبت إلى الفوضى، ولذلك يحاولون الرجوع إلى الخلف وتكرار الوصفات القديمة التي سبقت محطة انتفاضة الشعوب العربية، ويحاولون العودة إلى زمن «التكويش» على المقدرات الوطنية والاستئثار بها، وإعادة نكأ الجراح من خلال الاستهتار بالإرادة الشعبية.
محاولة الانتحار الجماعي لمجموعة الشباب عند دوار الداخلية كما تم الإعلان عنه عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يمثل مؤشراً خطراً، يقترب من المنطقة الحمراء، ولا يجوز المرور عليها مرور الكرام، وإنما يعد هذا الحدث ناقوساً يدق إشارات مرعبة، ويرسل رسائل في غاية الأهمية لمن يملك القدرة على التقاط الرسائل.
الإصلاح المطلوب يجب أن تظهر آثاره بوضوح على عامة الناس ويجب أن تلمسه أجيال الشباب وأفواج الخريجين؛ على المستوى الاقتصادي وفرص العمل وفتح أبواب المستقبل أمامهم، وتبديد سحب الضباب الكثيف التي تلف المشهد من خلال الأرقام الفلكية للدين العام ومن خلال العجز المتراكم، وزيادة الاعتماد على القروض والمنح التي تزيد من مستوى القتامة والإحباط، ويجب أن يشعر الناس بخطوات الإصلاح السياسية العملية التي تزيد من نسبة المشاركة الشعبية، والسير بخطى ثابتة نحو الحكومات البرلمانية حتى لو كانت وئيدة وبطيئة، وليس عبر الخطابات الإنشائية والعبارات اللفظية، ومحاولات التذاكي والتضليل.
ويجب الإشارة بوضوح إلى أمر في غاية الأهمية يتمثل بتغيير منهجية التعيين في المواقع المهمة، وخاصة تلك التي تتمتع بقدر كبير من المكتسبات المادية، بعيداً عن الشللية والمحسوبية ومبدأ التوريث، وتكرار توزيع المكتسبات بطريقة أحجار الشطرنج، ويجب العمل بكل عزم على إعادة توزيع الثروة على مختلف الشرائح الشعبية والعناية بمبدأ تكافؤ الفرص، قبل الاصتدام ببعض المفاجآت.
الدستور