يستطيع القادة العرب أن يعلنوا اليوم أن قمتهم التاسعة عشرة نجحت. ولا شك أن إعلان التمسك بالمبادرة العربية للسلام التي كانت أقرتها قمة بيروت عام 2002 هو النجاح الأكبر للقمة. فهذا قرار سيقوي الموقف العربي في سعيه تعرية الادعاءات الإسرائيلية وفي تفعيل جهود إيجاد حل للقضية الفلسطينية على أساس قيام الدولة المستقلة.
بيد ان هذا النجاح سيتلاشى إن لم يلتزم العرب تشكيل فرق العمل التي قرروا إطلاقها في القمة لتسويق الموقف العربي من السلام دوليا. فالفرصة المتاحة حاليا مع عودة القضية الفلسطينية الى أولويات واشنطن ستزول قريبا مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة الأميركية والذي سيجعل من الرئيس جورج بوش بطة عرجاء.
البناء على زخم قرار قمة الرياض في تفعيل المبادرة يجب أن يكون فوريا ومؤسساتيا. وفرص تحقيق ذلك مشجعة مع تولي السعودية رئاسة القمة العربية. ذلك أن مبادرة السلام طرح سعودي. والسعودية تدرك، تماما كالأردن، ومصر، أن استمرار الظلم على الفلسطينيين يبقي أبواب المنطقة مفتوحة على صراعات ستهدد أمن كل دولها
انتصر منطق الاعتدال في "قمة التضامن" في الرياض. مهد المعتدلون الطريق لمنهجية عمل عربية تعتمد الفعل لا الشعارات الفارغة لكن هذا الانتصار سيفقد معناه إن لم يتراكم مؤسساتيا. فالاعتدال فقد صدقيته. وذلك مرده الفشل في تحقيق إنجازات يلمسها المواطنون. ثمة فرصة لبدء مسار لاستعادة الاعتدال صدقيته. الا ان العقبات التي تواجه ترجمة هذه الفرصة إنجازات كبيرة. هنالك دول عربية تعتاش على الأزمات وستفاقمها. وهنالك إرث عربي سمته العجز عن تأطير العمل المشترك ضمن منظومات مؤسساتية راسخة. فكلام الليل كثيرا ما يمحوه النهار في عالم العرب.
وهنالك ايضا، وأساسا، موقف إسرائيلي عدواني لا يريد السلام رغم ادعائه رغبته. إسرائيل أفادت من عدم وجود فعل عربي مشترك لإحياء عملية السلام. والرأي العام العالمي اقتنع في أكثريته بمزاعم إسرائيل أن لا شريك فلسطينيا أو عربيا لإطلاق مفاوضات سلام جادة. المبادرة العربية تحمل إمكانية دحض المحاججات الإسرائيلية إن سوقت بشكل فاعل. إسرائيل تعرف ذلك. ولن يمر وقت طويل قبل أن تبدأ تحركا واسعا لإحباط "الهجمة" السلمية العربية.
يحتاج العرب أن يتحركوا بفاعلية لمنع إسرائيل من إفقاد تحركهم السلمي زخمه وأثره. ويحتاج القادة العرب ايضا أن يقنعوا شعوبهم أنهم جادون، ولو لمرة، في تنفيذ ما يعدونهم به. ذلك شرط بدء التقدم نحو استعادة صدقية فقدوها نتيجة سنوات من الإغراق الكلامي والقحط في الفعل.