"الأمة العربية وفقدان الهوية"
النائب حسن عجاج
12-05-2016 05:05 AM
رُب سائل يسأل: لماذا الحديث عن الهوية الآن؟
وهل هناك خطر على الهوية العربية وما هو هذا الخطر ،هل هو خطر داخلي أم هو خطر خارجي؟
لقد بدا في سنوات الاستقلال الأول للأقطار العربية أن الهوية الوطنية القطرية نجحت في تهميش الهوية العربية،وركزت على الحديث عن الهوية على أساس وطني وقطري.إلا أن تفجر الأزمات السياسية والاقتصادية كشف ضعف الهوية القطرية،وأعاد الحديث بقوة إلى الهوية الأصلية عبر القضايا السياسية والثقافية .
ولعل الخطر الآخر الذي بات يهدد الهوية العربية العولمة بوصفها محاولة لتدمير مناعة الأمم الثقافية والهيمنة عليها ،تدعمها وتساندها الأنظمة القطرية التي تسعى إلى تكريس الهويات القطرية وحتى الطائفية والعشائرية لغايات الاستبداد الداخلي والهيمنة العالمية على الوطن العربي.
تشترك تعريفات الهوية في إبراز عنصري الاختلاف والتميُز،ويمكن القول إن هوية شعب ما مختلفة عن غيرها،فهي مجموعة خصائص تنفرد بها،وتختلف وتتميز مقارنة بغيرها،ويعبر الناس عن أنفسهم من خلال صفات شديدة الخصوصية .
وهوية الأمة هي ما يعبر عنها بالهوية القومية التي هي مجموعة الصفات العامة التي تمثل الحد الأدنى المشترك بين جميع الذين ينتمون إليها،والتي تجعلهم يعرفون ويتميزون بصفاتهم تلك عمن سواهم من أفراد الأمم الأخرى,والهوية القومية تختلف عن الهوية الوطنية ،فالأولى تتعلق بالأمة،والثانية تتعلق بالدولة .
والهوية الوطنية تعني إيجاد التطابق والتوافق بين مجموعة الناس الذين يعيشون في بقعة جغرافية محددة.
أما الهوية القومية فإنها تؤكد على تمييز الأمة عن غيرها من الأمم ،وإذا كانت الأمة مقسمة إلى دول متعددة كالأمة العربية ،فإن هويتها تبقى ضعيفة ومعرضة للتآكل والتراجع والهدم بسبب الدعاوى القطرية والعشائرية والطائفية.
وبرغم ضعف التعبير عن الهوية العربية في بعض الأقطار ،وغيابه في أقطار أخرى
إلا أنها تبقى كهوية عامة ومشتركة بين هذه الدول.كما تبرز الهوية الوطنية الخاصة بكل دولة،ولكن علاقة الهوية الوطنية بالهوية القومية ليست علاقة انفصال وصراع ،
بل علاقة تفاعل وتكامل.
والهوية عند "محمد عابد الجابري"في كتابه"مسألة الهوية"حالة نزوع عند هدف"فالعربي ليس وجوداً جامداً،إنه هوية تشكل ومصير،ولذلك فأن يكون الإنسان عربياً،هو أن يكون عروبياً أي نزوعاً نحو تعزيز الوحدة الثقافية العربية القائمة،بوحدة اقتصادية ،ونوع ما من الوحدة السياسية".
كما إن هوية العربي عنده هي:"أن يشعر بأنه عربي فعلاً عندما يتعرض شعب أو فرد عربي لعدوان أجنبي".
وهذا ما نلمسه في الواقع العربي،حيث يتأجج الشعور بالهوية العربية ،كلما ازداد العدوان الصهيوني ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني.
ولابد من التأكيد على أن الهوية العربية الإسلامية هي هوية واحدة ،وهي هوية قديمة تعمقت في مرحلة النضال الطويل ضد الاستعمار ،وأضحت المحرك الرئيسي للتصدي للاستعمار وثقافته الغازية ،وهي هوية تتسع لكل الخصوصيات القطرية برغم محاولات البعض الذين يناصبونها العداء،ويحلّون الهوية القطرية محلها.
ويرى معتنقو القومية العربية،أن اللغة العربية هي أقوى مكونات الهوية العربية ,ويرفضون التحدث باللهجات العامية،ويربطونها بالتجزئة والقطرية،ويعتبرونها خطراً حقيقياً على الهوية.
وكذلك الإسلاميون الذين يتعصبون للعربية،ولكن بدافع ديني،وتستمد اللغة العربية قدسيتها من الإسلام لأنها لغة القرآن .
ويرى آخرون أن اللهجات العامية تجسيد للخصوصيات الوطنية ،وهكذا نرى أن القوميين والإسلاميين أكثر الفئات تمسكاً بالهوية ،وأكثرها تحذيراً من مخاطر العولمة،ومهما كانت دوافع العولمة الثقافية ،فإن التصدي لها يكون بتفعيل الثقافة القومية ،لكونها أحد العوامل الأساسية في عملية التطور والتقدم.
وظلت الهوية موضوع خلاف بين النخب السياسية ،حيث نجد مواقفاً متباينة في موضوع الهوية ،فهناك موقف يؤكد على الهوية العربية دون الإسلامية ،وموقف آخر يؤكد على الهوية الإسلامية دون العروبة غير أن هذين الموقفين تطورا واقتربا من بعضهما ،حيث بات العروبيون أكثر انفتاحاً على الإسلام ،والإسلاميون أكثر انفتاحاً على العروبة.
إن ما يميز القومية العربية أنها على علاقة وطيدة بالإسلام قد تصل إلى درجة التطابق ،والإسلام يمثل رابطة قومية حقيقية لسكان الوطن العربي،ذلك أنه إذا كان الإسلام عقيدة بالنسبة إلى العرب المسلمين فإنه ثقافة وتراث وحضارة بالنسبة إلى العرب المسيحيين.
وهكذا نرى تأكيد عمق البعدين العربي والإسلامي في إطار مفهوم الهوية .والأمة العربية التي تمر اليوم بمرحلة التشظي والقسمة على الصعد القطرية والطائفية والعشائرية أحوج ما تكون للعودة إلى هويتها الأصيلة التي ركناها الأساسيان العروبة والإسلام .
فهل هناك مستقبل للعرب في ظل هذا الوضع المأساوي؟.