فصل الدعوي عن السياسيد.رحيل الغرايبة
12-05-2016 03:44 AM
أدرك «الإسلاميون» مؤخراً ضرورة الفصل بين العمل السياسي والعمل الدعوي على صعيد الحركات الإسلامية السياسية والأحزاب السياسية الإسلامية في ظل التطورات الفعلية التي طالت العقل العربي الإسلامي، وطالت الواقع والمشهد السياسي بكل تفاصيله، وعقب الانخراط الفعلي ولو جزئياً في الحكومات القائمة والمشاركة في بعض جوانب إدارة الدولة، وبعد ظهور معالم التصادم الحتمي بين الطرح النظري المحلق في الخيال من جهة وبين ملامسة الواقع المعاش من جهة أخرى. كان في مقدور الإسلاميين إجراء المراجعات المطلوبة والوقوف على تغيرات المشهد قبل سنوات وكان لديهم سعة من الوقت؛ من أجل استشراق المستقبل على ضوء جملة الحقائق المتعلقة بهذا الجانب، ومن أهمها على سبيل المثال: ضرورة إدراك الفرق الجوهري والعميق بين إدارة الحركة وإدارة الدولة، فالحركة عبارة عن فئة قليلة من المجتمع، تتجانس في أفكارها ورؤاها ونظرتها للحياة، واستطاعت أن تتقارب فيما بينها عبر اللقاءات الكثيرة والعديدة بين أفرادها، وعبر مسارات التوجيه الفكري والتربوي الخاصة بها، بينما الدولة تحوي شعباً يحمل في طياته تعددية واسعة في الأديان والمذاهب والأفكار والرؤى والتطلعات، ويحوي تبايناً كبيراً في طريقة التوجيه والتربية والنظرة إلى الحياة، مما يحتم على رجال الحركات الإسلامية إن أرادوا الانخراط في عملية إدارة الدولة أن ينتقلوا من الإطار الحركي الضيق إلى إطار الدولة الواسع؛ وفي كيفية التعامل مع هذا الاختلاف دون حاجة إلى اللجوء إلى أي محاولة من محاولات فرض الآراء والقناعات الداخلية على الناس، ودون استخدام للسلطة والنفوذ في فرض الاجتهادات الفكرية وخاصة المتلبسة بالدين على عقول البشر. المسألة الثانية في هذا السياق تتمثل بتسلل بعض الفرضيات المغلوطة إلى عقول نفر من قيادات الحركات الإسلامية يترتب عليها جملة متراكمة من الآثار الخطيرة، مثل القول بأن الجاهلية عادت من جديد، وأن الزمان دار دورته وعاد إلى ما قبل البعثة النبوية، مما جعل بعض المنظرين يفكرون بإعادة عرض الإسلام على الناس من الصفر، وبعضهم يذهب إلى أبعد من ذلك في وصف المجتمعات الإسلامية بالمجتمعات الجاهلية والأنظمة الجاهلية، وأنها كلها (دار حرب) لأنها لا تحكم بما أنزل الله، مما جعل جمهرة من أتباع الحركات الإسلامية يعيشون حالة من الانفصام والإزدواجية بين الانخراط في الحياة والدولة من جانب، وبين مفهوم الخضوع للأنظمة الجاهلية التي يصل إلى درجة الكفر من جانب آخر، هذا المفهوم أدى إلى تحول بعض الحركات إلى طوائف مغلقة داخل مجتمعاتها، لها مناهجها ومؤسساتها ومدارسها وأفكارها ومصالحها الداخلية، ونشأ حول ذلك بناء اقتصاديات داخلية مستقلة، ونشأت علاقات مصاهرة ونسب، وتشكلت مجتمعات مصغرة داخل المجتمع الكبير، مما أدى بشكل حتمي إلى اتساع الفجوة المجتمعية الكبيرة بينها وبين مؤسسات الدولة. المسألة الثالثة تتعلق بالعقلية القيادية المنغلقة المتشبعة بفكرة استعلاء الإيمان التي تجعلها ترى نفسها فوق المراجعة والنقد، وأنها على صواب دائم بفضل استنادها إلى الدين، مما أدى إلى تحول الحركات والأحزاب الإسلامية إلى غايات في حد ذاتها، بدلاً من النظر إليها أنها وسائل وأدوات وأساليب عمل، وأنها ليست سوى طريقة من طرق الاجتهاد الصادرة عن بعض الأفراد الذين يحاولون من خلالها خدمة دينهم وأمتهم وأوطانهم، وبناءً على هذا الفهم المغلوط أصبحوا ينظرون إلى مسألة الخروج عن هذه الوسائل والاجتهادات والأساليب بأنها خروج على الدين والمبادىء والثوابت التي لا تقبل المساومة، وأنها ضرب من ضروب الردة، أو الخيانة في أقل الأوصاف التي تريد تجنب ألفاظ التكفير عند المعتدلين منهم، بالإضافة أن هذه النظرة تمنع إعادة المراجعة وتحول دون إعادة تقويم الاجتهادات السابقة. الإسلاميون أمام مفترق طرق حاسم، فهم بحاجة ماسة أن يدركوا ضرورة الخروج من كل الأفهام المغلوطة، وأن يعيدوا تأهيل أنفسهم ليكونوا فاعلين في مجتمعاتهم على قدم المساواة مع أفراد الشعب تماماً، من خلال النظر إلى مجتمعاتهم بأنها إسلامية بعيداً عن مقولات دار الكفر، وأن يعيدوا بناء الأطر السياسية المدنية الواسعة المفتوحة لكل الطاقات ولكل لمواطنين، وأن يتبنوا منهج المشاركة مع الآخرين في إدارة المجتمع والدولة على قاعدة المواطنة الحقيقية، وأن تكون مسائل الدعوة والوعظ والتبشير بالفضائل متروكة للمجتمع المدني ومؤسساته، بعيداً عن مزج ذلك بالنشاط الحزبي وبكل ما يتعلق بشئون السلطة وأمور الحكم وإدارة الدولة، الذي ينبغي أن يتسم بالحياد الإيجابي اتجاه الاختلاف المجتمعي الموجود في الواقع وهو محل اعتراف وإقرار كامل لا لبس فيه ولا مراء.
|
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة