الشح المطاع والهوى المتبع في قضية الإخوان المسلمين
بلال حسن التل
11-05-2016 04:31 PM
الخلافات التي تعصف بجماعة الاخوان المسلمين، والاتهامات التي يتم تبادلها بين فرقاء الاخوان، بعد ان صار صفهم صفوفا، وبعد ان حلت الشحناء بينهم محل الاخوة، وبعد ان سادت بينهم لغة الاتهام والقدح والذم، ليست حالة شاذة او جديدة على الجماعة، فقد مرت الجماعة سواء هنا في الاردن، او في اماكن اخرى بمثل هذا الذي تمر به اليوم، وهذا ليس بالأمر المستغرب، فالاخوان مثلهم مثل سائر البشر، فيهم المخطئ وفيهم المصيب، وفيهم المتجرد وفيهم صاحب الهوى، فمجتمعهم ليس افضل من مجتمع المدينة المنورة الذي عَرف حتى في عهد النبوة أصنافاً من المنافقين وأصحاب الهوى، غير أن عظمة المجتمعات والجماعات والدعوة والدعاة تكمن في قدرتها على تجاوز المحن واسباب الفرقة والافتراق، وهذا يحتم عليها ان تراجع تجربتها لتعرف كيف استطاع السابقون من ابنائها النهوض من كبوتهم، وأول ذلك ان يحسن الناس الإستماع الى بعضهم بعد أن يُحسنوا الظن ببعضهم أيضا، واستماع الناس بعضهم لبعضهم الاخر هو خُلق اسلامي، بل انه من أهم صفات المجتمع المسلم القائم على الشورى، امتثالا لقوله تعالى (وشاورهم في الأمر)آل عمران195 وقوله (وأمرهم شورى بينهم)الشورى 38، ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم اروع امثلة بالنزول على ما تصل اليه الشورى بين الناس، ومن ذلك رجوعه عليه السلام عن رأيه في مكان النزول في معركة بدر، ونزوله عليه السلام على رأي الشباب بالخروج من المدينة في معركة أُحد، فما بال أقوام يزعمون أنهم من المسلمين ثم لا يتأسون برسول الله فيصمون آذانهم عن الحق لتزيد الخلافات بين الناس مثلما هو حاصل في صفوف الاخوان المسلمين.؟ وهي الخلافات التي تُذهب بريح الجماعة وتفرقها شذر مذر..
كثيرة هي الخلافات التي عصفت بجماعة الاخوان المسلمين في الاردن، لعل ابرزها واهمها تلك الخلافات التي عصفت بالجماعة في اول عهدها، والتي دفعت مؤسسها في الاردن الحاج عبد اللطيف ابو قوره الذي حملها على كتفيه وانفق عليها من حر ماله الى تقديم استقالته من الجماعة بكتاب استقالة يحمل في ثناياه اشارات دالة على ما تصاب به الجماعات من امراض ولوثات تفقدها البراءة والنظافة والتجرد، فمما جاء في كتاب استقالة المرحوم عبد اللطيف ابو قورة مؤسس جمعية جماعة الاخوان المسلمين في الاردن، والمرفوعة الى المرشد العام للجماعة عام 1953 ما نصه: «نزولا عند حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: اذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، واعجاب كل ذي رأي برأيه.. فعليك بخويصة نفسك، ودع عنك امر العامة. ونزولا عند كثير من الاخوان الذين لم تسجل اسماؤهم بدفاتر الاخوان المسلمين ممن قامت على اكتافهم وعواتقهم الدعوة، وجميع مشاريع الاخوان في المملكة الاردنية من بناء وشراء دور ومدارس وشركات اقتصادية. اتشرف لفضيلتكم برفع استقالتي من جماعة الاخوان المسلمين، رافعا عن عاتقي كل تبعة ومسؤولية امام الله والناس أجمعين.. والله اسأل أن يسدد خطانا ويهدينا جميعا سواء السبيل، وختاما تفضلوا بقبول فائق الاحترام..
اخوكم عبد اللطيف ابو قوره / عميد الدعوة في الاردن.
إن هذا النص الذي كتبه مؤسس الجماعة في الاردن، فوق انه يحمل الكثير من المرارة والألم اللذين اصابا الرجل، الذي نذر حياته لخدمة دينه متجرداً من هوى نفسه، فانه يعكس صدمة كبرى اصابت الرجل من الشح المطاع، الذي تسرب الى صفوف الجماعة التي سيطر الهوى والاعجاب بالرأي على بعض الذين تسللوا الى صفها وآل إليهم أمرها بعد أن اشتد عودها، وصار الانتساب اليها مصدرا للجاه والقوة لاسباب عديدة، اولها: رعاية الدولة عموما والقصر الملكي للجماعة ورجالها على وجه الخصوص، وثانيها التفاف اهل الخير حولها يمدونها باسباب القوة والانتشار، خاصة في مجال تمويل مشاريعها وانشطتها، مما اشار اليه المرحوم ابو قورة في كتاب استقالته. الذي قدمه بعد ان فر الرجل بدينه من لغة التخوين التي سادت بين الفرقاء من المحسوبين على الجماعة الذين تمترس كل منهم خلف رأيه، متناسين اخوتهم في الله، وكأني بالمرحوم عبد اللطيف ابو قوره يصف في كتاب استقالته الذي قدمه قبل اكثر من ستة عقود واقع الجماعة في هذه الأيام، حيث لا يخفى على المراقب أن من اسباب الأزمة الراهنة للجماعة، اتباع الهوى والاعجاب بالرأي عند البعض ممن اعماهم هواهم عن حقائق الأمور، فضحّوا بالجماعة على مذبح هذا الهوى.
وبعد، فما أشبه الليلة بالبارحة، فاننا مازلنا نسمع نفس الاتهامات والمقولات النابعة من الشح المطاع والهوى المتبع واعجاب كل ذي رأي برأيه، وقبل ذلك التنكر لتاريخ الجماعة وعلاقاتها وتحالفاتها. فهل يتذكر الاخوان، الفضل بينهم ويلتفوا حول دعوتهم فيعودون بها الى سيرتها الاولى، بعد ان يطهروا صفوفها من اصحاب الهوى والطمع، الذين زرعوا البغضاء والشحناء بين ابنائها، وكسبوا لها العداوات، وانقلبوا على من حالفتهم الجماعة ذات يوم، مما يستوجب وقفة مراجعة شجاعة مع النفس.؟ فهذه من شيم أبناء الدعوات المخلصة لله ثم الوطن.
"الراي"
Bilal.tall@yahoo.com