المخابرات العامة .. دور سياسي في مواجهة الازمات
فهد الخيطان
05-08-2008 03:00 AM
استأثر لقاء مدير المخابرات العامة الفريق محمد الذهبي وفدي الحركة الاسلامية الاردنية و»حماس« باهتمام اعلامي وسياسي واسع. اللقاءان مهمان بلا شك, ويؤشران على توجه رسمي لتسوية الخلافات عبر آلية الحوار بما لا يمس الثوابت الوطنية الاساسية.
لكن الاهم من وجهة نظري ان اللقاءين وما تردد من معلومات عن لقاءات مع تيارات اخرى وما صدر من رسائل واشارات من دائرة المخابرات العامة بشأن قضايا وتطورات داخلية تؤشر كلها على ان هناك توجهاً جدياً لمراجعة السياسات الداخلية بما يساهم في احتواء التداعيات المحتملة على المستوى الاقليمي مع فشل عملية السلام وعلى المستوى الداخلي حيث الازمة الاقتصادية وآثارها السلبية على علاقة الدولة بالمجتمع.
المراقبون السياسيون اعتبروا حديث الفريق الذهبي عن »مخابرات الدولة ودولة المخابرات« عنواناً مهماً لرؤية الجهاز ودوره المختلف في الحياة العامة, والترجمة العملية لهذه السياسة يمكن ملاحظتها في اسلوب تعامل الجهاز مع الاحداث الداخلية ونشاطات المعارضة والتي باتت تبتعد عن الطابع الامني التقليدي والمتشدد وتتخذ صيغة مرنة تقوم على الحوار ومنح هامش اوسع للتعبير عن الآراء المعارضة للسياسة الرسمية, وعدم التدخل في شؤون الاعلام المستقل.
الدور السياسي للمخابرات العامة في الاردن ليس بالجديد, فقد لعب الجهاز على الدوام دوراً حاسماً في رسم السياسات وتوسع هذا الدور في السنوات الاخيرة الى مستويات فاضت عن الحاجة احياناً, لم يكن هذا وضعاً مثالياً حتى بالنسبة لقيادة الجهاز الأمني الذي طالما رأى ان 90% من عمل الجهاز ينبغي ان يكون امنياً و10% سياسيا.
لكن الفراغ السياسي في البلاد بات مقلقاً في الآونة الاخيرة, ولم يستطع اي طرف ان يملأه لاسباب واعتبارات كثيرة تتحمل الدولة القسط الاكبر منها.
فالحكومة الحالية مشغولة بالملف الاقتصادي وتواجه تحديات جسيمة تتطلب تفرغ رئيس الوزراء لادارتها بنجاح, لأن الفشل ستكون له نتائج كارثية على المجتمع. كما ان الفريق الوزاري بمجمله غير مهيأ لمهمات سياسية, وباستثناءات محدودة لا تملك الحكومة خبرات سياسية مؤهلة لادارة ملفات داخلية معقدة. اما مجلس النواب فهو ضعيف ومجير بالكامل وعاجز بحكم الظروف التي احاطت بانتخابه عن لعب دور سياسي مستقل ومؤثر في الحياة العامة.
وسط حالة الضعف التي تعتري المؤسسات الرسمية والخواء السياسي الذي تعاني منه مراكز صناعة القرار تبرز حاجة استثنائية في هذه المرحلة لمقاربات سياسية, الدولة والمجتمع في امّس الحاجة اليها بالنظر الى عمق المأزق الذي يتخذ طابعاً بنيوياً في الدولة.
مفارقة مؤسفة لكنها واقعية يجد جهاز المخابرات نفسه في مواجهة معها بما يملك من امكانيات وخبرات وتصورات معاصرة وقبل هذا وذاك ثقة رأس الدولة حيث يعد الجهاز الاقرب الى نبض الملك.
انطلاقاً من كل هذه المعطيات يستطيع جهاز المخابرات العامة ان يلعب دوراً قيادياً في عملية المراجعة الملحة للسياسات الداخلية وتصحيح اخطاء سابقة واحتواء الاثار السلبية للازمات المقلقة والاهم من ذلك التأسيس لمرحلة جديدة في البلاد تعيد الاعتبار لقيم المؤسسية والديمقراطية وتنمية الحياة الحزبية بما يفضي في النهاية الى تفرغ المخابرات لمهماتها الامنية وتسليم الملفات السياسية الى ايد امينة.0
العرب اليوم.