الأسماءُ المسيحيّةُ محذوفةٌ من المناهجِ الأردنية. لا يعرفُ الأطفالُ إميلي، وجاكلين، وجريس، وجورج. يجدونها غريبةً جداً، ولو كانت لزميلاتٍ وزملاء لهم في الصفِّ. المناهجُ تعترفُ بمحمد وأحمد ومحمود وفاطمة وآية. لا يجدُ الأولادُ الأردنيون أسماءهم، والبناتُ الأردنياتُ أسماءهنَّ في درس القراءة، والتربية الوطنية، إذا كانوا من المسيحيّين.
على الأرجح أنها تربيةٌ دينيةٌ إسلاميَّة، وليست وطنيَّةً، بمعنى أنها لا تأبهُ بالمواطنة، بما هِيَ القاسمُ المشتركُ الأساسيُّ بين الأردنيين، وذلك يطالُ أيضاً الأسماءَ الشركسيّة والشيشانية، وينفي الاعترافَ بالتنوُّع الدينيِّ والعِرْقيِّ في المجتمع.
لا يعرفُ الأطفالُ المسلمون في مراحل الدراسةِ الأولى في الأردن أنَّ المسيحيَّة يعتنقها نحو نصفِ مليون أردنيّ، بينَ سكّانٍ ومغتربين. لا يعرفونَ شيئاً عن الكنائسِ، والأعياد، والطوائفِ المسيحية، وعندما يتقدمونَ في المناهجِ يعرفون الروايةَ الإسلاميّةَ فقط عن حياة المسيحِ وصلبه، ومن حقهم حين يجدون زميلاً لهم اسمه "أنطون" أنْ يستغربوا ذلك، فالمناهجُ تأسَّست على قانون "هيمنة الأكثرية" التي تفرضُ شكلَ التعايشِ، وشكل القُبول والرفض، كما تشاء.
العلّةُ ليست في الأسماء. فالأردنيون المسيحيون يُسمّون بناتهم وأبناءهم أسماءَ عربيّة، وَإِنْ كانَ بعضها ذَا دلالاتٍ إسلامية، مثل: عبدالله، مروان، طارق، ليث، عبدالله، هشام، هويشل، ماجدة، فضيّة، هند، وحتى أننا نجدُ اسماً مثل "مصطفى" وهو أحد أسماءِ الرسول محمد. وهذا، مثلاً، إسمُ النائب في البرلمان الأردنيِّ عن المقعد المسيحيِّ في مادبا د.مصطفى حمارنة. وكلّ ذَلِكَ ليسَ مألوفاً، على نحو عام، في مناطق انتشار المسيحيين في العراق ومصر وبلاد الشام، مع استثناءاتٍ قليلة.
العِلَّةُ ليست في الأسماءِ، فالوجدانُ الأردنيُّ المسيحيُّ يتكوَّنُ من عروبةٍ خالصة، وقد تأثَّرت الكنائسُ بالموروثِ القبليِّ الغسّانيِّ، وظلّت أكثرَ نزوعاً نحو القوميَّةِ العربية، وظلّت تأثيراتها اليونانيةُ في صالحِ هذا المعنى، وفي خدمته، كما أنَّ معظم الموروثِ الشعبيًّ في الأردن يعودُ لجذورٍ مسيحيّةٍ فِلاحيَّة، وَإِنْ تأسلمَ، بعد ذلك. لكنَّ أسماءَ القديسين موجودة في الوجدان الأردنيّ المسيحيّ، ويجب ألا تكونَ التسميةُ حائلاً بينهم، وبين الاعترافِ بهم.
العِلَّةُ في المعنى والدلالة، عندما تستقرُّ الدولةُ على سياسيةٍ إقصائية للمناهج التي تُدرَّسُ لأبناءِ مواطنيها وبناتهم، كما هم ليسوا أدياناً وقوميات. بل كما هم متساوون أبعدَ من أسمائهم، ومن أين يتحدَّرون، ليسَ كمجاميعَ متشظية، ومتوترة، إنما كمواطنين، لا يخضعونَ لأيِّ فرزٍ، ولا لأيِّ مكانِ عبادة. بُطْرُس، مثلُ محمد، مثلُ هاكوز. كما أنَّ الرفايعة، لا يختلفون عن العزيزات، وعن الشابسوغ في حِسِّ المواطنةِ وإحساسها، والأهم في قانونها، لو أنَّ الَّذِينَ يضعونَ المناهجَ يأبهونَ للقانون والمصلحة.. أو يأبهون لهذهِ البلادِ المتروكةِ للتكفيرِ، ودعاةِ الظلام..