ثلاثة آلاف وأربعمائة يوم على مغادرة قادة حماس الأراضي الأردنية، طوال هذه المدة مرت مياه كثيرة تحت جسر العلاقة التاريخية بين حركة حماس والأردن، وكانت هذه العلاقة قبل ذلك التاريخ تشهد مدا قليلا وجزرا أكثر واختتم المشهد بغلق مكاتب الحركة في عمان.
لكن السنين التسع لا ينبغي أن تطوى صفحتها دون أن يكون ذلك مفيدا في التأسيس لتفاهمات قادرة على الصمود أمام الاختبارات في المستقبل.
ولعل التوقيت الذي حكم اللقاء الأخير بين مدير دائرة المخابرات العامة الفريق محمد الذهبي وقياديين من الحركة يحمل من الدلالات الشيء الكثير إذ تزامن اللقاء مع مرور عشرين عاما على قرار فك الارتباط وهذا وحده لا ينبغي أن يمر دون أن يتم التوقف عنده.
رحب المتعاطفون مع الحركة باللقاءات وبالغوا في التفاؤل إلى الحد الذي جعلهم ينسجون سيناريوهات مستقبلية لشكل العلاقة والتحليل كله كان يبنى على شكل من اشكال التفكير بالتمني وهو امر لا يستقيم مع القراءة الموضوعية لجملة المحددات التي تحكم نمط التفكير على طرفي الطاولة فالحركة تخوض حاليا معركة داخلية ضروسا في سياق توكيد حضورها كفصيل اول في الاراضي الفلسطينية بعد ان انجزت تفاهما استراتيجيا مع الطرف الاسرائيلي تحت عنوان الهدنة الطويلة في وقت يتآكل دور خصومها المحليين بصورة مضطردة، كذلك تدور داخل الحركة حوارات عميقة حول خياراتها الاستراتيجية المقبلة والاجواء داخل الحركة تتجه لابتكار صيغة قائمة على المزج بين المقاومة المحدودة والانفتاح السياسي على المحيط العربي اولا واستخدام هذا الانفتاح كمنصة للاشتباك السياسي مع الطروحات الدولية حول القضية الفلسطينية بلغة جديدة.
من الحيوي للحركة في المقبل من الايام ان تكون على توافق مع الاردن لاستكمال الشروط الموضوعية التي تؤهلها كطرف اساس في سياق التعامل مع تفاصيل الموضوع الفلسطيني، في المقابل فان قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله كانت مستعدة للتنازل عن الاستقلال المنقوص المتحقق في غزة لمجرد مناكفة خصومها الداخليين(حماس) وهو موقف تمثل في الدعوة لنشر قوات عربية في القطاع.
عمان قرأت رفض حركة حماس استقدام قوات عربية (مصرية) من اجل الانتشار في قطاع غزة ايجابيا بوصفه رفض يغلق الأبواب أمام مطالب البعض في التفكر باختلاق دور امني اردني مستقبلي في الضفة، لكن ذلك ليس كافيا لطي صفحة وافتتاح اخرى مع الحركة.
الاردن يؤمن بأن حل الدولتين هو الخيار الاستراتيجي القابل للتنفيذ وهو خيار تقبل به اسرائيل (لفظيا) وتدعمه الادارة الميركية الحالية وكلا المرشحين الرئاسيين ويحظى بدعم دولي في حين ان الحركة ترفض هذا الخيار.
الاردن يرى في حل الدولتين ليس احقاقا للحقوق الفلسطينية فقط بل ويمنع عمليا تبني مقولات مرفوضة اردنيا كالخيار الاردني وغيرها من مشاريع اليمين الاسرائيلي في حين ان حماس لا تزال تعتذر عن تبني موقف واضح من هذه القضية حيث لم يصدر في ادبياتها ما يمكن الاعتماد عليه جديا في رفض تلك المشاريع.
المرجعية الفكرية للحركة والمتمثلة في جماعة الاخوان المسلمين رفضت سابقا قرار فك الارتباط وبالتالي فان حماس اقرب إلى تبني موقف مرجعيتها في هذا الصدد في حين ان القرار المذكور اصبح من ادبيات السياسة الاردنية في التعامل مع تفاصيل القضية الفلسطينية.
الحركة تعرف ان اقترابها من الاردن لن يكون على حساب الشرعية الفلسطينية بصرف النظر عن تآكل دور هذه الشرعية فمصلحة الاردن الاستراتيجية تكمن في ابقاء السلطة الوطنية على قدميها.
ليس مطلوبا من الحركة الانقلاب على رؤاها التي استقرت ؟ رغم المآخذ الاردنية عليها ؟ وليس مطلوبا من الحركة ان تعلن غدا عن موافقتها على كل متطلبات العملية السلمية التي يؤمن بها الاردن لكن الحركة تعرف الآن وبعد اللقاء تحديدا كل المتطلبات التي يمكن ان تؤهلها لتكون شريكا مقبولا في التعامل مع تفاصيل الموضوع الفلسطيني.
جملة القول ان الاردن ومنذ الحادي والثلاثين من تموز للعام 1988 غادر فكرة الاشتراك في صياغة مستقبل الفلسطينيين وارتضى ان يكتفي بدعم الاشقاء في خياراتهم المستقلة وهذا ينسحب على منظمة التحرير كما ينسحب على حماس والاردن له مصلحة حيوية في ايجاد حل للقضية على ارضها بغض النظر عن طبيعة القيادة الفلسطينية.