كما كان متوقعاً أثار الكتاب الأخير للأستاذ أحمد سلامة ردود أفعال تباينت بين الاحتفاء والتربص، وهذه مسألة ليست بالجديدة بالنسبة لسلامة وتجربته التي شهدت فصولاً خلافية كثيرة، ولكن ما أغفله كثير من القراء، ومنهم الدكتور نزار قبيلات في مادته التي نشرت في موقع عمون الذائع الصيت في الأردن، أن سلامة لم يقدم كتاباً سياسياً يمكن أن يوضع تحت مبضع الحديث عن أفقه المعرفي بما يعني القراءة في مسائل مثل الإحاطة بجميع المعطيات أو الانتقائية بينها، عدا بالطبع عن رصد التحيزات أو الأحكام التي أطلقها الكتاب، فآل عمان في النهاية هو جزء من سيرة ذاتية قدمها أحمد سلامة في روايتين سابقتين، وإن يكن ضمن شذرات ورسائل باطنية، وآل عمان كتاب لم يزعم أصلاً أنه يتولى التأريخ للمدينة، ولم يقدم نفسه بوصفه تقريراً عن مرحلة من الزمن، فهو يقدم عمان أحمد سلامة وحده، وذلك حقه الكامل، مثل أي كاتب آخر، وخاصة المبدع عبد الرحمن منيف الذي كتب عن عمان سابقاً، وكلا الكاتبين يقدم لعمان من زاوية رؤيته ومن ظروفه الخاصة، دون أن يمثل ذلك إضافة لأي منهما أو انتقاصاً منه، فالعمل بمجمله يمكن محاكمته على أساس واحد وهو قدرته على الوصول للقارئ من الناحية العاطفية والوجدانية، فهو ليس بحثاً علمياً محكماً، ولا كتاباً تعبوياً، ولكنه شهادة تنضاف لشهادات أخرى في سبيل الوصول إلى المشهد الكامل.
ينطلق الدكتور قبيلات من بداية غير موفقة تتعلق بوضع الكتاب في تصنيفه الصحيح، فالسيرة الذاتية والشخصية والمهنية تختلف عن التأريخ، صحيح هي جزء من التاريخ، ولكن تنتفي عنها صفة التاريخ المشاع والمشترك، وعليه فإن القدرة على نقدها تتعلق بوقائع خاطئة أو مغلوطة، وفي هذه الحالة يمكن أن تنفى هذه الوقائع من قبل الأشخاص أو شهود العيان، أما أن يكون النقد مبرراً للبحث في الضمائر والتفتيش في النوايا فذلك أمرٌ يبدو غير مقبول، وخارج اختصاص القراءة الممكنة والمتاحة للكتاب.
ينتقد قبيلات ما رآه خروجاً من سلامة عن (تعاقده) مع قرائه بأن يقدم عمان ومكانها من خلال كتابه، ويرى أن الكتاب لم يعالج المكان العمّاني بفضائه المتسع، ولم يرسم شخصية الإنسان العماني بيوميّته و ثقافته المتنوعة و طقوسه، وهو شرطٌ فرضه العنوان بوصفه عامل الجذب الأول لكل القراء،وانا شخصيا من وضع هذا العنوان باعتبار ان هذه المهمة تناط بمحرر الكتاب عادة فهل يمكن أن ينسحب ذلك النقد على أورهان باموك كتاباً ليس بعيداً جداً عن اجتهاد سلامة العماني في نصه شبه الروائي – شبه الذاتي – اسطنبول الذكريات والمدينة، ثم هل يعتقد القبيلات بأن عمان يمكن أن تقدم وفق طموحه وتصوره من خلال كتاب واحد، بالمناسبة كتب نجيب محفوظ عشرات الروايات عن القاهرة، ولكن ما تشكله قاهرة محفوظ لا يشكل إلا نزراً يسيراً من القاهرة، مجرد محيط ضيق ومجتمعات صغيرة، وليست مشكلة سلامة أن الكاتب هو من يتصور عمان مدينة صغيرة ومحدودة وسطحية لتختصر في كتاب أو حتى موسوعة، فسلامة تقدم بشهادته وبنصه ليعطي المدينة بعضاً من روحه، ويعلق اسمه على لوحتها عاشقاً بكل صدق وتواضع، أما من يرون عمان غزوة تنتهي في ساعات أو حين يقضون منها وطر السلطة أو الجاه فأحمد سلامة ليس منهم، ولا يمكنه أن يهبط بنصه ليكون ملائماً لأهوائهم وتصوراتهم المسبقة.
وإذا كان الناقد في هذه الحالة يلمح ويصرح حول شخصنة أحد سلامة، فإنه يورط نفسه في وضع رأي شخصي مقابل آخر، فيقدم انطباعاً مناهضاً لرأي سلامة الذي أتى لمحاولة وضعه نص شعري لعرار في سياق تحليل اجتماعي أوسع وضمن سياقات المرحلة التي كتبت فيها القصيدة، كما أن النقد يفترض أن ما ذكره أحمد سلامة يعتبر اساءة لشخصية مصطفى وهبي التل، مع أنه لا يمكن أن تنزع على أي شخص، وخاصة إن كان شاعراً، صفة القداسة وتحصينه من النقد. كما ويأخذ الدكتور قبيلات على سلامة أنه يمدح بعضاً من الشخصيات، وسلامة يكتب عن هذه الشخصيات من واقع تجربته الحياتية معها، ومن واقع مواقف لم يكن الدكتور طرفاً فيها أو شاهداً عليها، وبالتالي، فأن يأخذ على الرجل محبته لأصدقائه ومدحه لهم فهو أمر لا يعتبر منطقياً أو منصفاً، والأزمة الموضوعية التي أوقع قبيلات نفسه فيها كانت بتعيين نفسه وصياً على عمان وأهلها، ورقيباً على ضمير الكاتب وحريته الشخصية في تقييم أصدقائه وزملائه وحتى خصومه، وكل ما يمكن للناقد المنصف والمنهجي حيال كتاب يعتبر جزءاً من سيرة ذاتية أن يسعى لقراءته أدبياً، فالتاريخ هو لأحمد سلامة وهو تجربته وما يخصه، أما إذا كان قبيلات يرى بعضاً من الأخطاء أو الاختلاق لأحداث لم تقع أصلاً، فكل ما عليه أن يشير لها بصراحة ووضوح، لا أن يدخل القارئ في الحكم على التاريخ الشخصي والمعنوي للكاتب بصراحة لم استطيع ان اعتبار ان المقال قراءة نقدية واميل الى محاولة التدقيق اكثر في المنهجية التي اتبعها الناقد ..واتساءل هل هكذا تجري القراءة النقدية للكتب!!؟