تحمل الانتخابات الأمريكية دوماً أهمية قصوى عالمياً بذات القدر الذي تحمله أمريكياً بل ربما أكثر وذلك امر طبيعي نتيجة ان الولايات المتحدة لها شأن بكل صغيرة وكبيرة في العالم سواء من قريب او من بعيد.
والانتخابات الحالية قدمت وجبات كثيرة وكثيرة جداً للصحافة والإعلام، او حتى في عالم الترفيه، فقد حققت الحملات الانتخابية لكل من المرشحين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب صدى عالمياً وتصدراً صحفياً أكثر من أي رئيس او مرشح سبقهم، فقد تجاوز عدد المعجبين بصفحة ترامب على الفيسبوك، عدد المعجبين بصفحة البيت الأبيض بذاتها، ربما يمكن ان نعزو ذلك ان المرشحين الإثنين خلقا نوعاً جديداً من الانتخابات نظراً لكونهم نوع جديد من المرشحين.
فالمرشح الرئاسي الأمريكي بالمعتاد يكون "رجل" كونجرس حياته مليئة بتبوء المناصب، وهو سياسي متميز وانيق جداً ويحسب لكل كلمة -الف حساب- قبل النطق بها وقانوني ومثقف ولا يمكن ان يرتبط بأي أفكار ثابتة فهو متحيز للجميع بشكل ذكي, ويحلم دائماً-بحسب تصريحاته- بأمريكا أفضل مليئة بالمحبة على شاكلة المدينة الفاضلة، في حين ان الانتخابات الحالية لمرشحيها نكهة مختلفة فالمرشحة الأولى والأقوى امرأة وقد كانت تجارب المرأة في الانتخابات الرئاسية متواضعة الى الأن, فأخر مرشحة رئاسية كانت جيل ستين التي لم تحظى الا بنصف مليون صوت تقريباً في انتخابات عام 2012, وقد كانت تجربة سارة بالين كارثية بالنسبة للمرأة في انتخابات نائب الرئيس امام جو بايدن, وتعاني كلينتون في الانتخابات الحالية من فضيحة ناتجة عن تسريب البريد الإلكتروني الخاص بها, واستخدامها بريدها الخاص للتواصل بأمور تخص الحكومة الأمريكية اثناء توليها حقيبة الخارجية, لكن يمكن مع ذلك ملاحظة ان هيلاري تحظى بشعبية قوية وخصوصية فريدة نتيجة لعدة عوامل أهمها ايضاً انها امرأة وتحصد دعم معظم الجمعيات والهيئات الداعمة للمرأة , وايضاً نتيجة ان لها خبرة سياسية عميقة, اذ انها تبوأت العديد من المناصب على مر السنين فقد كانت عضو كونجرس ووزيرة للخارجية, وتحظى بدعم الرئيس أوباما مما يجعل الناخبين الذين يريدون استمرار سياسات أوباما يتوجهون لها, والأهم من ذلك ربما هو ان زوجها بيل كلينتون يعتبر من افضل الرؤساء الذين سكنوا البيت الأبيض, ومن افضل السياسيين, ويمكن ايضاً ملاحظة ان الإعلام الأمريكي يدعم كلينتون بشكل مباشر, فهيلاري كلينتون لها ظهور كثير في برامج الترفيه المسائية مثل برامج “جيمي فالون” و”جيمي كيميل”, التي تهاجم منافسها ترامب بشكل مباشر وتحظى بمتابعة اكثر مما تحظى به قنوات الأخبار.
على الصعيد الأخر يتواجد المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الملياردير ذو الشخصية النرجسية ووجه تلفزيوني، ومؤلف كتب تحمل عناوين -صاخبة- الذي قرر ان يضيف الى سجل حياته الحافل منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، الذي يُعد وصوله الى هذه المرحلة المتقدمة في السباق الانتخابي حالة مثيرة للعديد من التساؤلات، لماذا يقوم الأمريكي بالتصويت لـ "ترامب" على حساب كروز وساندرز, وحتى كلينتون المثقلين بالخبرات السياسية, ربما تكمن الإجابة ان سياسة مرشحي الرئاسة قاموا دوماً بالبحث عن الأصوات, وقاموا بمحاولات لجذب الشرائح المختلفة المكونة للولايات المتحدة الأمريكية, من الأقليات والأعراق المختلفة, وحتى مثلي الجنس, فنظرة المرشح الرئاسي كانت دوماً في البحث عن الأصوات, فتناسوا الحلم الأمريكي الذي يُعد هدفاً لمعظم الأمريكيين, وتناسوا الأمريكي القديم, ولن أقول الأصيل فالأمريكي الأصيل هو "اتشاك الهندي الأحمر" في حين الأمريكي القديم هو الذي ينظر الى أمريكا اليوم بعيونه الزرقاء ذات التاريخ الأوروبي ولا يرى فيها الحلم الأمريكي, فهي تعاني من هجمات إرهابية واقتصادها متأكل ويكثر بها المفسدون ,وأصبحت مليئة بالعرب والمسلمين الذي يؤمن المواطن الأمريكي اننا العرب نكرههم "بسذاجة", والمكسيكيين المخترقين للحدود فالأمريكي يرى انهم من يسرقون ارزاقه, فيرى في أفكار دونالد ترامب, التي ليست معتادة, وإن لم يوافق عليها بأنها حاجة لحماية الحلم الأمريكي والدولة الأعظم, فالسياسيون المتعاقبون منذ سنوات لم يفعلوا شيئاً غير الحروب التي استنفذت طاقات امريكا ,فيصبح ترامب ابن نيويورك الذي درس في بنسلفانيا والاقتصادي الفذ الذي استطاع ان يبني إمبراطورتيه الخاصة, والمنادي بإصلاح أمريكا من الداخل وبقبضة من الحديد البطل المنتظر للكثير ممن يعتبرون انفسهم الأمريكيين القديمين, الذين يؤمنون انهم اليوم اصبحوا "أقلية" في بلادهم اثر السياسات المتعاقبة للولايات المتحدة. وينظرون الى ترامب بأنه وبالجدار العازل ضد المكسيكيين وحظر دخول المسلمين الى أمريكا سيبني الحلم الأمريكي من جديد.
ونظراً لما سجله رؤساء الولايات المتحدة -السياسيون اللبقون- تاريخياً من اضطرابات في العالم لمصلحتهم الشخصية، اتساءل إذا كان ترامب ذو العقلية الاقتصادية والشخصية النرجسية رئيساً لأمريكا فإلى اين سيؤول العالم؟ واي الأَمَرَّينِ أفضل لنا ترامب ام كلينتون؟