وَأرَاكِ مِنْ خَلَلِ الضَّبابِ،
وَحُلْكَةِ اللّيْلِ الّذيْ لَفَّ الْمَديْنَةْ
وَأرَاكِ حَالِمَةً كَحَقْلِ الْقَمْحِ،
طَيّـبـَةً كَوَجْهِ الْأمِّ ،
تَبْتَسِمِيْنَ فِيْ أَلَـقٍ تُخَالِطُهُ سَكِـيْنَةْ
فَيَذُوبُ ثَلْجُ الْقَلْبِ ،
يَـنْـثَالُ الْغِنَاءُ عَلَى الشَّجَـرْ
لِيَعُودَ وَجْهُكِ غِـنْـوَةً ،
قَمَرَاً يُطِلُّ مِن النَّوَافِـذِ،
يَحْمِلُ الْبُشْرَى لِكُلِّ صَبِـيّـةٍ
وَقَفَتْ تُحَدِّقُ فِي الْأُفُـقْ
تَـتَـنَسَّمُ الْأخْبَارَ عَمّنْ سَافَروا
فِي الْفَجْرِ ؛ كَيْ يَأتِيْ الْمَـطَرْ .
***
وَأرَاكِ رَغْمَ الْجُوعِ ،
فَوْقَ الْعُرْيِ فِي وَادِيْ الشَّجَنْ
وَأرَاكِ رَغْمَ الْقَحْطِ فِيْ قَرْنِ الـرَّمَادَةْ
كَالنَّخْلِ شَامِخَةً بِوَجْهِ الـرِّيـحِ ،
تَأتِيْهِ السَّمُومْ
تَهْوِيْ عَلَى الْأعْذَاقِ ،
تُلْقِيهَا عَلَى جَمْرِ الرِّمَالْ .
لَكِنَّ نَخْلَكِ يَا الرَّؤومْ
دَوْمَاً لَهُ .. تَبْقَى الـرِّفَـادَةْ .
***
مِنْ ألْفِ عَامٍ ، أوْ يَزيدْ
وَأنَا الْمُوَزَّعُ بَيْنَ آلافِ الدُّرُوبِ،
وَبَيْنَ أوْرَادِ الْحَـزَنْ
أرْنُو إلَى الْجَـبَلِ الْمُنِـيفِ تَسَاقَطَتْ أرْكَانُهُ،
فَأصيحُ مِلْءَ الصّوْتِ،
مِنْ قَهْـرٍ تَأجَّجَ فِي الضّلُوعْ :
هُوَ ذا الْحَبيبُ تَبَعْثَرَتْ أوْرَاقُهُ
فِي الْفَجْرِ بَاغَتَهُ اللّصُوصُ ،
وَمَا دَرَى
أنّ الْخَوَارِجَ قَدْ مَضَوْا نَحْوَ الْمَدينـَةْ.
بَاعُوهُ بِالثَّمَنِ الزَّهيدِ ، وَأسْلَمُوهْ .
يَا وَيـْحَ قَلْبي،
ألْفُ سِكّينٍ تَلَظّى ،
عَبْرَ لَحْمِ الظَّهْرِ ، تُوْغِـلُ لِلْقَـرَارْ !!
وَهُمُ الصّحَابَةُ يَنْظُرُونْ
لا الْجُرْحُ يُؤْلِمُهُمْ، وَلا خَرْقُ السَّفيـنَةْ .
***
وَتَجيءُ عَـبْـرَ اللّيْلِ ،
أنّاتُ الْمَرَاكِبِ فِي غَريباتِ الْبِـحَارْ
عَصَفَتْ بِها الْأَمْوَاجُ ،
والْإِعْصَارُ بَـعْـثَـرَهَا شَظَايَا
مِـزَقَاً عَلَى الـزَّبـَدِ الْمُضَـرَّجِ بِالطُّفُولَةِ،
والْأَجِنَّـةِ،
بِالنَّوَارِسِ وَالْـمَـحَارْ .
***
وَكَمَا هُوَ الْحُلُمُ الشّفِـيفُ ،
رَأيْتُ طَيْفَكِ .. لَمْلَمَ الْأشْلاءَ ، جَمّعَهَا قَمَرْ
وَأعَادَ لِيْ بَوْحِيْ ،
وَأُغْنِـيَـتي عَلَى جَفْنِ الصَّباحْ :
يَا أيُّها الْقَمَرُ الْمُـزَنَّـرُ بِاخْضِرَارِ الْغَيْمِ ،
فَوْقَ سَنَابِلِ الْفَجْرِ الْمُخَـبَّأِ فِي الْمَطَرْ .
إيّاكَ أسْألُ:
هَلْ رَأيْتَ حَبـيـبتيْ ؟
أَ مَـرَرْتَ فَوْقَ سَمَائِهَا ؟
أَ شَمَمْتَ فَوْحَ الْعِطْرِ مِنْ أَرْدَانِها ؟
وَلَمَحْتَ مِنْهَا دَمْـعَةَ الْعَيْنَيْنِ فِي لَيْلِ السّفَرْ ؟
***
سَأَظَلُّ أَعْشَقُ عِطْرَكِ الْبَدَوِيَّ،
يَا أَحْلَى النِّسَاءْ
وَأَظَلُّ أَنْقُشُ وَشْمَكِ الْعَرَبيَّ في خَدِّ الْقَمَرْ
وَأَظَلُّ أُنْشِـدُ فِي الصَّباحِ وَفي الْمَسَاءْ:
عُوديْ كَمَا الشّمْسِ الْمُنيرَةِ ،
تَمْلَأُ الْأكْوَانَ،
بِالْإشْرَاقِ، والْكَلِمِ الْفَـصِـيحِ..
وتَطهّريْ مِنْ رِجْسِ مَنْ قَـتَلوكِ،
أوْ خَذَلُوكِ فِي الـزّمَـنِ الْقَبـيحِ .