أيتها الجميلة لا تعودي إلى الوطن! .. غادة السمان
07-05-2016 11:11 PM
ما ذنبها إذا كان عاشقها ديكتاتوراً؟: أتساءل دائماً وأنا في طريقي إلى المدينة الرائعة برلين: لماذا لا يضع معظم العرب هذه المدينة على الخارطة السياحية للقلب ولشهوات التعارف؟؟
نسمع بالسائح العربي إلى باريس وجنيف ولندن وروما وسواها، والإعلانات من «شركات السياحة» وشاية برغبات الناس، لكنني لم أقرأ ـ في لبنان على الأقل ـ عن رحلة سياحية إلى برلين وميونيخ (عاصمة بافاريا) ناهيك عن زيارة إلى قصر ـ عاشق الموسيقار الكبير فاغنر، الملك لودفيك الثاني ـ قصر نويشفنشتاين الذي سرق «والت ديزني» معماره لتشييد بيت أميرات أحلام الصغار في «ديزني لاند» الشهيرة. وأعود بكم في رحلتي هذه المرة إلى برلين… وزيارتي إلى متحف شارلوتنبرغ كعادتي كلما ذهبت إلى تلك المدينة من دون أن أنسى زيارة القاعة التي تضم تمثال تلك الملكة (المغتربة) المصرية الجميلة نفرتيتي التي يقال ان هتلر كان معجبها الكبير الأول وبأمر منه تم إفراد القاعة لها في المتحف ولكن الشائعات تنتشر دائماً عن الجميلات وعن المغرمين بهن، حتى ولو كان عمر الجميلة أكثر من ثلاثة آلاف عام كنفرتيتي!
انحزت لعودتهم إلى أوطانهم، ولكن…
كانت المانيا البلد الأوروبي الأول الذي حطت طائرتي في إحدى مدنه وأنا الشامية العتيقة، وهكذا يوم زرت برلين وهزني الحنين بعد اسبوع من (الغربة) عن الشام وزرت المتحف للمرة الأولى حيث نفرتيتي غضبت لأن تمثالها مغترب هكذا وقررت أن عليهم إعادته إلى وطنه في مصر.. ويوم زرت باريس للمرة الأولى وذهبت إلى «ساحة الكونكورد» الرائعة قررت أن على فرنسا إعادة المسلة الفرعونية الجميلة التي سرقها نابليون ودسّها في جيبه ونصبها في قلب الساحة الباريسية الشهيرة، ويوم زرت بعدها متحف «غوغنهايم» في نيويورك ومتحف «السميثونيان» في واشنطن و«اللوفر» في باريس وشاهدت التحف الفنية الآتية من أرضنا العربية (وكان ذلك) في زمن ما قبل «داعش» تمنيت عودة تلك الإبداعات (المسروقة) إلى الوطن. أما اليوم، فقد بدّلت رأيي للأسف. وصرخت في أذن تمثال نفرتيتي بلا صوت: أيتها الجميلة، لا تعودي إلى الوطن، قد يتم تحطيمك كما فعلوا بمدينة زنوبيا تدمر ويا أيتها المسلة الفرعونية ظلي حيث أنت ـ ومغفورة خطاياكَ يا «ماسينيون» وليبق «حجر رشيد» الذي جعلك تفك أسرار الكتابة الفرعونية والحجر العتيق الفرعوني في مكانه في المتحف البريطاني في لندن.
أبدل رأيي؟
ليس الآن للأسف بسبب الدمار الذي يلحقه الدواعش بالآثار.
كلمة السر: تدمر
في متاحف غوغنهايم والسميثونيان في نيويورك وواشنطن وفي متحف اللوفر في باريس أفردت أجنحة خاصة بالفن الفرعوني (وتقضي الأمانة الأدبية التعريف أيضاً بالأجنحة الرائعة الخاصة بالفن الإسلامي، فما من إبداع فني يلغي الآخر، ومن حق المتدين إلغاء ما يشاء من قلبه على صعيد فردي يشف عن علاقته مع خالقه، لكن ليس من حق أحد تدمير ما كان كما فعلت الهمجية بالموقع الأثري الجمالي الخارق تدمر حين دكّته بالمتفجرات وهي لا تزال تعيش العصر الحجري عقلياً!!
الفظاعات التي اقترفتها الهمجية تحت شعارات إسلامية والإسلام النقي الطيب المتسامح الحضاري بريء منها يجعلني أبدل رأيي دونما تحفظ وأهمس في اذن تمثال نفرتيتي من جديد بقدر ما سمحت لي الاحتياطات الأمنية بالاقتراب منها: أيتها الجميلة، لا تعودي إلى الوطن الآن… انتظري منا أياماً أكثر فهماً لجوهر الدين الإسلامي الحضاري الذي منح كوكبنا علماً وفلسفة وفكراً ورقياً فنياً يشاهد السائح بعضه في الأندلس.
محاولة إغتيال نفرتيتي وأمثالها
النحات المصري تحتمسيس لم يخطر في باله، وهو يبدع ملكته الجميلة نفرتيتي في تمثال، ان ما (يقترفه) سيرحل آلاف الأميال ويعيش آلاف السنين وسيقع في غرامه ملايين السياح وأن متحف شارلوتنبرغ سيباهي بتحفةٍ توجت كنوزه وتأتي بعده في هذا الحقل متاحف نيويورك ولندن وواشنطن وباريس وتورين ولايدن وسواها في مدن سويسرية.
ما يخصنا في حقل الآثار هو ذلك الهول الذي أصاب تدمر السورية مدينة جدتي الملكة زنوبيا وأصاب قبلها مواقع تاريخية كثيرة تحت قناع الإسلام وهو الدين الحضاري البريء من تلك المجازر الإبداعية على يد من لقبهم فيلسوف مصري: «أصحاب اللحى الكثة والعقول الرثة».
همجيات تدّعي الإسلام وتجهل جوهر روحه… يحتقرون النساء والحضارات والثقافات ويسرقون الكثير من الآثار لبيعها زاعمين أنها ضد التعاليم الإسلامية… والجرح عميق، والشرح يطول!!
في الصفحة الأولى من الجريدة الفرنسية
في جريدة لوباريزيان (20 ـ 4 ـ2010) أي قبل ستة أعوام تصدرت صورة تمثال (الموناليزا الفرعونية) أي نفرتيتي كما لقبتها الجريدة، الصفحة الأولى في تحقيق حول رغبة «إنديانا جونز» المصري أي زاهي حواس – كما لقبته الجريدة أيضاً ـ باستعادة آثار مصر المنهوبة. وقامت الجريدة باستفتاء حول ذلك، فوافق معظم الفرنسيين على إعادة تلك الآثار إلى أوطانها… والمفجع اننا نحن أبناء تلك الأوطان لا نريد عودتها اليوم من أجل سلامتها… فتلك التماثيل المهاجرة تشبهنا… قلبها في الوطن وسلامتها تفرض عليها الغربة في أوطان تعرف للأسف قيمة الآثار والإبداع والإنسان.
ويا جدتي زنوبيا، لا تغفري لهم فهم يعلمون ما يفعلون.
القدس العربي.