نصف انتصار للنظام ونصف هزيمة للمعارضة!!
د. زيد نوايسة
06-05-2016 09:59 PM
المعارك الدائرة الآن في مدينة حلب بين الجيش النظامي السوري وحلفائه وجبهة النصرة وحلفائها والتي من المفترض انها خضعت للهدنة منذ صباح الخميس 5/5/2016، ليست مشهداً عابراً في تاريخ الازمة السورية بل ان مآلاتها ونتائجها تتجاوز حسم الصراع بين الحكومة السورية والمعارضة المعتدلة منها والمتطرفة على حد سواء بل تمتد لترسم ملامح الصراع الإقليمي والدولي والتسوية الكبرى في سوريا وربما تسوية إقليمية شاملة لكل الملفات في العراق واليمن وليبيا وفلسطين بالمحصلة، وتؤسس لنظام عالمي جديد ومناطق نفوذ. ما يحصل اليوم في حلب ليس مشهداً عابراً في الصراع الإقليمي والدولي على سوريا؛ ان مالآت معركة حلب وما سينتج عنها هي بيضة القبان في هذا الصراع المعقد والذي لم يشهد الشرق الأوسط مثيلاً له.
هل كان التصعيد في حلب من قبل المعارضة وتحديداً جبهة النصرة التي تصر الولايات المتحدة الامريكية ووزير خارجيتها جون كيري على استثنائها من المناطق غير خاضعه لوقف اطلاق النار وعدم وضعها في سلة واحدة مع تنظيم داعش امر استباقياً للمعركة الكبرى التي كان الجيش السوري وحلفائه الإيرانيون وحزب الله وبغطاء جوي روسي يحضرون لها وبما يضمن قطع خطوط الامداد التركي للمقاتلين وافشالاً للمنطقة العازلة التي أضحت مشروعاً وحلماً تركياً بعيد المنال بالرغم من التماهي الألماني والفرنسي وطبعا السعودي والقطري معها؛ وهل يمكن اعتبار الموقف الأمريكي الأخير هو الخطة "ب" التي كثر الحديث عنها وهدد بها كيري واوساطه مرات عديدة، وفي ذات الوقت وعلى المقلب الاخر يرى رموز المعارضة السورية ان الامريكان تخلوا عنهم لدرجة ان بعض أعضاء الوفد المفاوض من هيئة المفاوضات المقيمة في الرياض اتهم الولايات المتحدة الامريكية بانها على وفاق تام مع روسيا والنظام السوري على بقاء الأسد وافشال ما يسمى بالثورة السورية والعودة للمربع الأول.
امام هذا الواقع يمكن الاعتراف بأن كل الأطراف الإقليمية الضالعة والمتورطة بالصراع القائم لا تعول كثيراً على المواقف الامريكية سواء الحلفاء الإقليميين كالأتراك والسعوديين والمعارضات السورية المسلحة بما فيها جيش الفتح واحرار الشام وجبهة النصرة التي لم تقدم لها الولايات المتحدة الامريكية أي شيء فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة ومستقبل الأسد دليلاً قاطعاً على تناقض التصريحات الأمريكية خلال السنوات الخمس من عمر الازمة السورية وطبعا على الجهة الأخرى وهي جهة النظام وحلفائه الإيرانيين والامريكيين والحاضنة الدولية الكبرى روسيا نجد ان لا أحد يثق بالموقف الأمريكي الذي راهن كثيرا على دور للإخوان المسلمين في بداية الربيع العربي بحيث تقود تركيا الترتيبات الجديدة في المنطقة وتؤدي لضمان المصالح الامريكية في المنطقة وتسعى لتحقيق أمن إسرائيل وان سقوط النظام في سوريا هي مسألة وقت فقط كما صور الأمر حينها وكان الكل يضرب مواعيد أسبوعية وشهرية لسقوط النظام ولكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر وبقي النظام متماسكاً وخرج من ازمة السلاح الكيماوي باقل الخسائر واستطاع ان يحافظ على سوريا المفيدة من وجهة نظره وان يؤمن العاصمة دمشق وعندما بدأت تضيق الحلقات عليه تدخلت روسيا عسكرياً وأعلنت بوضوح انها ليست حليفة للأسد بالمعنى المشابه لتحالف واشنطن مع تركيا ولكنها لن تسمح بسقوط الدولة السورية ومؤسساتها وعلى رأسها الجيش ولن تسمح بتكرار تجارب العراق وليبيا واليمن التي أفضت لفشل وكوارث؛ واليوم يعلن الروس ان مسألة سقوط النظام والدولة أصبحت من الماضي وان روسيا جاهزة للضغط على النظام لتقديم تنازلات ولن تسمح بخيار اخر ويبدو ان الامريكان يتماهون الى حد كبير معهم في هذا المواقف وأهمها تأجيل مستقبل الأسد لان الخيارات الأخرى كارثية لا سيما ان الولايات المتحدة لديها قرار استراتيجي بعدم التدخل البري وان عملية زج جيش امريكي في سوريا هي مغامرة لن يقدم عليها أوباما في الأشهر الأخيرة من رئاسته وان اقصى ما يمكن تقديمه الأمريكي هو دعم امريكي عسكري للمعارضة المعتدلة بحيث لا تشكل خطر على الامريكان مع إعطاء أهمية للحلفاء الأهم بالنسبة لهم وهم الاكراد الذين لن يكونوا مع الخيارات التركية بل انهم يتناقضون معها ويتقاطعون مع حكومة الأسد في رفضها.
بالعودة الى ما يجري في حلب من مكاسرة حقيقية بين موسكو وواشنطن وحلفاء الطرفين الإقليميين يمكن القول انهما نجحتا في اهداء حلب هدنة مدتها 48 ساعة يصر الروس على ضرورة عزل جبهة النصرة عن أي اتفاق تهدئة دائم يمهد لاستئناف مفاوضات جنيف خلال الأيام القليلة القادمة يدعم موسكو فيها موقف عربي مستجد لمصر أعلنه وزير الخارجية المصري من منبر الجامعة العربية بضرورة ضرب جبهة النصرة وعدم تطبيق وقف إطلاق النار معها وضرورة تسليم الاحداثيات لمركز حميمين ومركز عمان اللذان يشرفان على وقف إطلاق النار.
افشال الهجمات المتكررة التي شنتها جبهة النصرة وجيش الفتح على مدينة حلب وتحديداً الأجزاء الغربية منها والتوصل الى وقف اطلاق النار ولو بشكل مؤقت هو هزيمة كاملة للأتراك الذين راهنوا على اشعال جبهة حلب ويمكن اعتباره نصف انتصار للنظام الذي راهن على معركة حلب لقلب الموازين العسكرية وقطع خطوط امداد المعارضة مع تركيا ونصف هزيمة للمعارضة التي لم تستطع ان تفرض واقعاً ميدانياً جديداً وهي مضطرة للعودة للتفاوض اذ لا خيارات فعليه امامها وامام حلفائها غير شد الرحال الى جنيف مع مزيد من الواقعية السياسية التي يفرضها الواقع الدولي.