العثامنة يكتب .. وحدة الضفتين، بين التباسات الأمر الواقع و الطموحات الأمنية*
06-05-2016 04:25 AM
يكتب البروفسور الإسرائيلي، د. رؤوبين باركو، في "يسرائيل هيوم"، حيث أقتبس الفقرة الأخيرة من مقال مطول له هي خلاصة الرؤية الراهنة في إسرائيل حيث يقول:
(بالنسبة لإسرائيل، لمصلحتها ولوجودها المستقبلي، من المفضل طرح الخيار الأردني على الطاولة الدولية. الاعلان بأن إسرائيل مستعدة للانسحاب من 98% من الأراضي التي احتلت في عام 1967 واعادتها الى الأردن. صحيح انه في اواخر الثمانينيات اتخذت الجامعة العربية قرارا يصادر السيطرة على الضفة من ايدي الأردن ويحولها الى منظمة التحرير، ولكن خلال العقود الثلاث التي مضت، اظهرت منظمة التحرير نسبة صفر من الاستعداد للتقدم نحو الدولة المستقلة والاقتصاد المستقل. ولذلك يمكن رؤية ذلك القرار لاغ ولا يعكس التفضيل الفلسطيني.)
وينهي بقوله:
(..لدى المملكة الأردنية مخاوف مفهومة من الاحتضان الفدرالي او الكونفدرالي مع الفلسطينيين، ولكن في الأفق لا يوجد أي حل آخر، والباب الموصد اسوأ من ذلك).
انتهى الاقتباس..لأتساءل :
أيها السادة في شرق المتوسط.. هل نحن أمام الباب الموصد الان؟
**
حسنا، فلنبدأ من أول السطر
رغم ثقتي بمصدري في العاصمة البريطانية لندن، والذي سرب لي خبرا يفيد بتوجه وفد شعبي من القدس وبيت لحم و نابلس والخليل إلى العاصمة الأردنية عمان، وأنهم فعليا قطعوا جسر الملك حسين نحو الضفة الشرقية من النهر، وأن هدف الزيارة هو التوجه إلى الديوان الملكي الهاشمي، لإعلان البيعة للملك عبدالله الثاني ملكا على الضفتين!! أقول أنني رغم ثقتي بمصدري، و قراءتي للخبر الذي يفكفك سياقه طلاسم و أحجيات عديدة في المنطقة، إلا أنني آثرت التأكد من خلال اتصالات موثقة و موثوقة، مع رسميين في الديوان و في الدولة الأردنية، ليكون الرد منهم جميعا " ما سمعنا بهيك خبر". وهو رد يعفي الشخص نفسه من المعرفة، لكن لا يعفي الخبر نفسه من الصحة.
في اتصالات أخرى مع صحفيين نشطاء في عمان، أكد لي بعضهم وجود وفد شعبي فلسطيني من الضفة الغربية..وكان هذا كافيا لقراءة جديدة في كل ما يحدث شرق المتوسط...مرة أخرى.
--
لا يمكن المرور عن خبر زيارة القيادي الفلسطيني المثير للجدل محمد دحلان إلى عمان أواخر مارس الماضي، بدون ربطها بأي تحرك سياسي "مثير" ما بعد زيارته تلك، والتي شاء مقربوه ان يؤكدوا على انها شخصية و عائلية، رغم تسريب متعمد لأنباء عن استقبال رسمي حافل له!! وهي تسريبات حملتها موصلات حرارة فلزية ثقيلة في عالم الإعلام.
طيب..دحلان في عمان..و لا بد انه يحمل خطة ما، امام معطيات جديدة و متسارعة في المنطقة والإقليم.
بعد شهر تقريبا..(وهو وقت كاف لأي اتصالات و ترتيبات)، يتوجه حسب الخبر اعلاه، وفد فلسطيني إلى الأردن، مطالبا بعودة الوحدة بين الضفتين!! الوفد غادر و يطالب – إن صح الكلام- من خلف علم السلطة الوطنية المنهارة أساسا..!
وبعد شهر من الزيارة، تتوتر العلاقات بين الأردن والسلطة أيضا، إثر قرار أردني بتركيب كاميرات مراقبة في الحرم القدسي، وهذا أدى بالأردن إلى وقف تركيب الكاميرات..لكن المثير هو أن إسرائيل أصابتها خيبة أمل جراء قرار الأردن وقف تركيب الكاميرات!! وهو ما عبر عنه عاموس هرئيل في "هآرتس" يوم 26 نيسان.
وحسب الصحافة الإسرائيلية فإن تركيب الكاميرات جاء على خلفية اتفاق و مقترح مباشر بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والاردن، وحسب هآرتس فقد تم تسويق فكرة نصب الكاميرات الى الادارة الامريكية، وقام جون كيري بعرض الموضوع علانية.وحسب الخطة فقد كان من المفروض ان يبدأ تركيب الكاميرات خلال عيد الفصح العبري، في ضوء التوقع بأن دخول اليهود الى الحرم سيقابل بمقاومة فلسطينية وسيعيد رفع مستوى التوتر حسب هآرتس التي أكدت ان إسرائيل أرادت المراقبة الأمنية الأردنية بالوكالة بحيث تثبت من خلال كاميرات الأردنيين فرضيتها بأن الجانب الفلسطيني – بما في ذلك رجال "الحراسة" المسلمين المتواجدين في الحرم، يستخدمون المساجد لتخزين الحجارة والزجاجات الحارقة وفي حالات كثيرة هم الذين يبادرون الى الصدامات!!
لست بصدد التسويق للفكرة الإسرائيلية المزعومة او دحضها، كل ما يهمني هو الرؤية الإسرائيلية للعلاقة مع الأردن، و دور الأردن الوظيفي في الضفة الغربية من وجهة نظر إسرائيلية، وهو ما سيتم البناء عليه لاحقا في أي تحليل حول طبيعة العلاقة المفترضة القادمة بين الأردن و فلسطين، فلا يمكن بأي حال إغفال او استغفال الموافقة الإسرائيلية لأي مشروع ارتباط بين ضفتي نهر الأردن.
--
كان اللقاء مصادفة في أحد مقاهي مدينة غنت البلجيكية مع دبلوماسي فلسطيني يعمل في عاصمة أوروبية..والمقهى المملوك لصديق فلسطيني يحمل الجنسية البلجيكية، كان كافيا لإثارة نوع من الدفء في الحوار مع الدبلوماسي الفلسطيني المثقف إلى حد كبير، وكان الدفء مدخلا لفتح الحوار حول رؤيته الشخصية لأي علاقة وحدوية بين الضفتين.
الدبلوماسي الذي التقط كرة الحوار، أبدى تحمسه لنوع علاقة محددة بين الضفتين، على أساس ندي مكافيء بين الأطراف الثلاث، لخصها بنموذج "البينلوكس"!! مما يؤكد لي مراوحة السلطة الفلسطينية في مكانها، و هذا الطرح حول البينولوكس الثلاثي يؤكد فرضية تمسك السلطة بآخر قشة يمكن لها ضمان بقاءها، رغم يقين الكل، بما فيها قيادات في السلطة نفسها، أنها ستحل قبل نهاية هذا العام، ولعل تصريحات النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي حنين زعبي الأخيرة بنهاية السلطة تعد الوضح في ذلك.
نعم..إن فكرة البينولوكس، فكرة مثالية و مغرية لكنها تصطدم فورا بحائط الصد الإسرائيلي، فبأي حال لن تقبل إسرائيل بثلاثية يكون طرفها السلطة الفلسطينية، رغم عدم الممانعة الأردنية لهذا الطرح.
الرفض الإسرائيلي قائم على منهجية أساسها استبعاد السلطة من أي تواصل إقليمي قدر الإمكان، ولعل ما حدث في أحد اجتماعات الاتحاد الأوروبي في بروكسل مؤخرا، حول مشاريع النقل الإقليمي، دليل على السياسة الإسرائيلية الثابتة، ففي الاجتماع الذي حضره وزير النقل الفلسطيني، وغاب عنه متعمدا وزير النقل الإسرائيلي، عبر الوزير الفلسطيني بمرارة عن شكواه من تعنت إسرائيل في إشراك الفلسطينيين في أي مشاريع إقليمية مشتركة، وأشار إلى عرض إسرائيلي جدي يقترح إنشاء خط حديدي بين حيفا و مدينة أربد الأردنية، وشرح وزير السلطة الفلسطينية كيف ان السلطة تقدمت عبر الأردنيين بمقترح تجويل الخط إلى داخل الضفة ليمر برام الله ثم يتجه صعودا إلى إربد. طبعا..الطلب قوبل بالرفض الحازم من إسرائيل.
الضفة، حسب الرؤية الإسرائيلية جزر مستوطنات. بحاجة إلى حماية امنية..نقطة وانتهى السطر.
--
نحن امام ثلاث مقاربات وحدوية إذن، إذا استثينا فكرة البينولوكس الثلاثي أمام رفض إسرائيل لها و عدم وجود حماس أردني للفكرة أساسا: الكونفدرالية او الفدرالية او العودة عن قرار فك الارتباط والرجوع إلى وحدة الضفتين.
إن أي صيغة وحدة بين الضفتين، عليها ان تراعي أولا مفهوم الدولة بمعناها الحقيقي، وبما تتطلبه من أسس مواطنة متساوية، وهذا لن يتأتى للمواطن من أصل فلسطيني بدون أرض صلبة تحت قدميه، وهذا بالمعنى الحقيقي لا المجازي، أي جغرافيا صلبة يقف عليها وهي هنا الضفة الغربية من النهر، لتكتمل الوحدة بين الضفتين، بصيغة الدولة المؤسسية التي يحكمها دستور حقيقي و مواطنة متساوية .
إن عبارة "وحدة الضفتين" عبارة فضفاضة و رومانسية جدا، وفي تفاصيلها تكمن شياطين الحلول المخابراتية والأمنية، التي تضمن أمن إسرائيل فقط، بدون الانتباه إلى الأمن الإقليمي لكل الأطراف.
أخشى ما نخشاه، ان نعود إلى سيادة امنية أردنية ذات منهجية بوليسية دركية في الضفة، وهو ما يفاقم الوضع أكثر، بدلا من حله، وعليه فإن أي مناقشات حول وحدة بين الضفتين، تتطلب اول ما تتطلب حرية الحديث عن التعديلات الدستورية، والعودة بها إلى ملكية دستورية نيابية، وذلك على عكس ما يجري الآن من توسيع صلاحيات لها نكهة أمنية بلا مساءلات ولا ضوابط.
للفقه الدستوري أهله، لكن الخلاصة تكمن في الانتباه إلى أي مخطط يخدم الأمن الإسرائيلي فقط، بدون مراعاة الأمن الإقليمي بمجمله.
إسرائيليا، بدأ الحديث يتصاعد و بقوة عن فكرة "الخيار الأردني"..وندرك ان الفكرة دوما يتم تكرارها في الإعلام الإسرائيلي، لكن امام معطيات الراهن من واقع الأمر، فنحن امام تصاعد في الحديث يرافقه عصف ذهني حقيقي بحثا عن خطط واقعية على الأرض، وبسرعة.
أردنيا، يكون السؤال الأهم: في حال طرح إعادة الوحدة، هل نحن أمام مملكة هاشمية تشمل الأردن و فلسطين؟ ام مملكة أردنية تضم إليها الضفة الغربية وحسب؟ هل هي وحدة بين ضفتين أم توسع على حساب ضفة منهما و لحسابات أمنية فقط؟
الإجابة برأيي يجب صياغتها وبعقل بارد جدا، بعيدا عن انسياقات العواطف و الاجترارات الإنشائية بلا معنى!!
وعودا على بدء..
فالموصد باب في الكردور الإسرائيلي..لكن بجانبه أبواب عديدة يمكن فتحها لو نظرنا خارج الكردور!
*كاتب اردني مقيم في بروكسل.