زمان , كنا نتعرض لنوبات مغص ليلية , نتيجة تناولنا (الهرايس) من بائع متجول بالضرورة أن يكون لئيما , ونوبات المغص هذه كانت تستدعي من أمي تحضير مستلزماتها الطبية لإجراء تدخل علاجي فوري , كان لديها مجموعة من الأعشاب الجاهزة للغلي :- ميرمية , رجل الحمامة , بعيثران , حندقوق ..إلخ .
كنت أتذكر كلماتها :- (طغها يا ميمتي ع نفس واحد) ..كانت تعتقد أن شرب الميرمية , مرة واحدة يحقق شفاء أسرع , وأنا كنت أجزم , أن أسباب الشفاء لا تكمن في الأعشاب المغلية , هي تكمن في الهواء الخارج من فمها , وهي تقوم بالنفخ على الكأس من أجل تبريده ..
وقتها لم نكن نثق بالباسكوبان , ولا الديكلوجيسك ..ولا أي نوع من الأدوية فالميرمية بحد ذاتها كانت دواء .
أنا أؤمن بأن الوطن يشبه الجسد , ووصفي التل لم يكن رمزا وطنيا بقدر ما كان دواء يشبه (الميرمية ) ..ويعالج ما في الحشا من أوجاع , أؤمن أيضا أن حابس كان دواء شافيا للروح ...فهومن أعاد زمن الفروسية , والخيل والرجولة ...
هؤلاء كانوا (حنونين) على الوطن مثل أمي التي كانت حنونة علي , ووصفاتهم في الشفاء لم تكن مستحضرات من الأدوية , ولا علاجات مستوردة ...كانت من عشب البلد ...من بعيثرانها , وقيصومها , ومن شيحها ...وما زلت في كل دفتر أو كتاب أقرأ فيه عن وصفي , اشعر بزفرات الهواء من رئته , وهي تبرد جمر الأيام وكل تعبها ...
صدقوني الوجع الذي يسري في الجسد , أحيانا لا يحتاج لطبيب ووصفة علاج بقدر ما يحتاج , لحنان الأب , ولوصفات الأم ...
أعرف أني ألتف على المقال ألف مرة , وعلى الحرف ألف مرة ....ولكني مجبر فأنا من الناس الذين يشعرون بنبض الأرض , حين يتدفق الفرح في وريدها .. ومن الناس الذين يدركون ...أن شفاء الروح لا يأتي إلا من تراب وطنك ...أعرف ذلك وابحث في كل مقال وفي كل حرف عمن يداويني ...
عمن يرمي أنفاسه على الميرمية , عمن يستعيد فينا زمن الشيح والقيصوم والبعيثران ...
الراي