زيتونة من .. هناكرشاد ابو داود
04-05-2016 02:50 AM
ليس الحب ما يصنع المعجزات، الحرب ايضاً تصنعها . ان تكونا جنبا الى جنب، وفي نفس الوقت تفصل بينكما صحراء من البعد، صراع عمره مائة سنة، حروب ثلاثة، آلاف القتلى، عشرات آلاف الجرحى ومثلهم اسرى .نهر كان له ضفتان صار بضفة واحدة وبحر كان ابيض متوسطا صار خطاً ازرق متطرفا، لا السمك يموت ولا الاشرعة تتوقف عن الابحار ولا عروس البحر تقبل ان تبدل ثيابها وبيوتها القديمة وشوارعها المرصوفة بالحجارة منذ ايام الرومان وربما قبلهم . الزمن ايضا لا يموت ولا البرتقال يصبح اسمه الرمان . هي هي فلسطين لا اسرائيل .يافا الجميلة وهذا معنى اسمها منذ آلاف السنين لا تزال مكانها لم تستطع تل ابيب محوها، ربما ابتلعتها لكنها لم تستطع ان تهضمها .حيفا جنة، عكا صفصافة، قرى الكرمل تجلس على بساط اخضر والجليل شامخ جماله يرفض الانحناء، والناصرة مدينة عيسى ابن مريم، دينها السلام واهلها مسلمون ومسيحيون عرب فلسطينيون، قهوتهم بالهيل وقوتهم انهم اهل واقارب وفيها متجذرون متوحدون دنيا ودينا ماضيا وحاضرا ومستقبلا الى ان يرحل العابرون، جذور لم يقتلعها غزاة ولا محتلون، لا هكسوس ولا رومان ولا صهيونيون . سألتها بذهول طفل تلك الفنانة التشكيلية المبدعة حنان ملكاوي القادمة من الناصرة الى عمان لتقيم معرضا لاعمالها الفنية في المركز الثقافي الملكي: ما شعورك وانت تقيمين في دولة الاحتلال ؟ وانت تحملين جواز سفرها ؟ قالت بثقة زيتونة : انا اقيم في بلدي، الناصرة مدينة اجدادي .فيها ولد ابي وجدي وربما جد جدي .بيتنا قديم قدم تاريخ عائلتي .اما جواز السفر فهو للسفر ولا يهمني اسمه او من اعطاني اياه .وهل يهم السفينة أي علم ترفع طالما ان البحر لها والميناء ميناؤها ؟ ولانني لم أر حتى الآن فلسطين البحر والشاطئ والشوارع والبيارات والسهول والجبال رغم دعوات وجهت لي من الاقارب والاصدقاء هناك بدعوى مقاومة التطبيع من جهة ومن جهة ثانية رغبتي في الحفاظ على الحلم الذي اورثني اياه ابي الذي ظل يرفض زيارة بيته وبيت اجداده على تلك التلة من يافا ولا تبعد سوى ثلاثة كيلومترات عن البحر،وحين كنت اسأله: لماذا لا تزور بيتك ومكان ولادتك، مرتع صباك ومنشأ رجولتك ؟ كان -يرحمه الله- يحتد وتدمع عيناه ويقول: انت الآن قلتها «ازور»!كيف اتخيل نفسي زائرا لبلدي ؟ كيف اطرق الباب ليفتحه لي من احتله ويقول لي:ماذا تريد ؟ هل ساقول له وقتها اريد بيتي وبلدتي ؟ ولو افترضنا ان الساكن المحتل كان يهوديا عربيا من اليمن او من العراق او المغرب، اولئك الذين غّرر بهم الصهاينة ودفعوهم لترك بلادهم التي عاشوا فيها معززين مكرمين آلاف السنين واتوا بهم الى فلسطين، ليقول لي كما قال لعمك محمود: تفضل..اعرف ان هذا بيتكم .ليتنا بقينا في بغداد،نحن مثلكم شردتنا السياسة من وطننا .ثم يقدم لي كاسة شاي عراقي ويحدثني بلهجة عربية عراقية ثم ....تنتهي «الزيارة»!! يسألونني باستغراب : الم تزر بلدتكم حتى الآن؟ اجيب :لا.. اريد للحلم ان يظل حلما وفي نفس الوقت اخشى ان اموت دون ان ارى ارض اجدادي ويحصل معي ما حصل مع ابي. قلت هذه التفاصيل لحنان ملكاوي واقولها لكل من يحضر الى عمان، الوحيدة التي فتحت ذراعيها وجامعاتها لأشقاء الروح والدم وجمعت بينهم وبين اشقائهم واقاربهم الذين فرقتهم كذبة اسمها اسرائيل .واقول لهم : انتم حراس الارض المقدسون، يا من بقيتم هناك رغم المذابح التي قامت بها العصابات الصهيونية والرصاص الذي كانوا يطلقونه على المهاجرين .نحن مدينون لكم بأثر رجعي الى ان نرجع ونسقي معكم الصفصاف والبرتقال والزيتون .
|
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة