من حق الأفعى أن تحسد الغزال على سيقانه لكن ليس من حقها أن تلدغه؛ لأنه ليس المسؤول عن التصاقها بالتراب، وكذلك من حق السلحفاة أن تحسد الصقر على جناحيه لكن ليس من حقها أن تصلي ليلَ نهارَ كي تعيد جاذبية الأرض الى جوارها.
ولو شئنا الاستطراد في عالم الحيوان لما انتهينا، لكن هناك من سبقونا واستنطقوا الحيوانات والطيور كابن المقفع والجاحظ وفريد الدين العطار، ان سوء فهم ولا اقول سوء تفاهم بين البشر وربما بين الانسان ونفسه هو ما أدى الى هذا التحاسد، بحيث يبحث المهزوم عن مشجب يعلق عليه هزيمته بدلا من ان ينقد ذاته، ويبحث الفاشل عن سبب آخر كي يبرئ نفسه من فشله، والانسان لديه قدرة لا نهائية على التبرير وخداع الذات، اذا قرر ان لا يواجه نفسه ويتحمل اعباء ما يقترف من أخطاء وقصور.
نعرف ان الغراب حين حاول تقليد الحمامة فقَد المشيتين؛ لأن النعيق لا يصبح هديلا لمجرد انه قرر ذلك، وهناك فلسفات تأسست على فكرة واحدة كالوجودية، تتلخص هذه الفكرة في ان يكون الانسان هو ذاته وليس سواه، فإذا ولد اسود اللون امامه خياران، احدهما ان يكشط سواد لونه بعمليات جراحية كما فعل مايكل جاكسون، والاخر ان يصبح كاتبا او شاعرا عظيما من طراز بولدون او سنجور او سيزير.
وكذلك المرأة، فهي منذ ولادتها كأنثى امامها ان تختار بين ان تكون مجرد دمية في قفص كما صورها الكاتب المسرحي هنريك ابسن او تصبح فاعلة في مختلف المجالات وتتفوق على الذكور، سواء اختارت طريق الام تريز او طريق روزا لوكسمبورغ وسيمون دي بوفوار.
فالانسان ليس بيده ان يغير شروط ميلاده ولونه ونسبه الاجتماعي ووطنه، لكن بيده ان يعيد انتاج ذاته كما يستحق! لهذا من العبث ان تعبّر الأفعى عن حسرتها لعدم وجود سيقان بلدغ الغزلان!
الدستور