النظام السياسي الأردني ليس نظاماً برلمانياً
د. هايل ودعان الدعجة
02-05-2016 02:50 PM
اللافت ان موضوع التعديلات الدستورية الأخيرة وما قبلها وتحديدا في عام 2014 ، قد استحوذت على اهتمامات الشارع الأردني واحتلت موقع الصدارة على الاجندات الوطنية. وبدا ان الجزئية المتعلقة بصلاحيات جلالة الملك الدستورية ، وانفراده بتعيين مواقع امنية وعسكرية مهمة وحساسة كرئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير المخابرات العامة ومدير الدرك كانت ، بالإضافة الى موضوع ازدواجية الجنسية، من أكثر الموضوعات التي شهدت نقاشات وتحليلات انطوت على اراء ووجهات نظر متعددة، يرى أصحابها انهم قد احتكموا فيها الى الدساتير واشكال الأنظمة السياسية ومفهوم الملكية الدستورية واتخذوا منها مرجعيات قانونية وفكرية للوقوف على هذا الموضوع المهم ، لدرجة ان البعض منهم افترض ان من شأن هذه التعديلات الانتقاص من الولاية العامة للحكومة وتجريدها من المسؤولية ووضع الملك في الواجهة مع انه رأس الدولة، وان الرد على هذا الكلام يحتم التأكيد على ان الأجهزة الأمنية والعسكرية ستبقى مرتبطة إداريا ووظيفيا بالحكومة، وهي تعمل في اطار السياسة العامة للحكومة وبالتالي فهي تخضع للرقابة البرلمانية.
كذلك فقد ذهب هذا البعض الى ابعد من ذلك عندما اعتبر ان النظام السياسي الأردني نظاما برلمانيا، وهو ما يتنافى مع الواقع. ويعطي المبرر مرة أخرى للحديث عن طبيعة هذا النظام السياسي الذي سبق وان تحدثنا عنه أكثر من مرة.
يعتقد البعض ان اي دولة طالما فيها برلمان فانها تصنف وتدرج في اطار الأنظمة البرلمانية ، وذلك بغض النظر عن شكل او طبيعة نظامها السياسي ، حتى ان كان شموليا او سلطويا او دكتاتوريا او يحكمها نظام الحزب الواحد . ما يجعلنا نؤكد على ان النظام البرلماني (بريطانيا) يتميز ويتصف باحتكار البرلمان للسلطة السياسية ، فالجهة او الحزب الذي يحصل على اغلبية مقاعد البرلمان يشكل الحكومة ، ويصبح يسيطر على العملية السياسية بشقيها التشريعي والتنفيذي. وان الرئيس الفعلي للسلطة هو رئيس الوزراء في حين ان مركز رئيس الدولة حسب هذا النظام رمزيا او شرفيا او شكليا، ولا يتمتع باي صلاحيات سياسية حقيقية . الامر الذي لا ينطبق على النظام السياسي الأردني ، حيث منح الدستور الملك صلاحيات واسعة فهو رأس الدولة ومصون من كل تبعة ومسؤولية ( المادة 30 ) ، ويستحوذ على السلطات الثلاث ، إذ تناط به السلطة التنفيذية ويتولاها بواسطة وزرائه ، فهو الذي يعين رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته، ويعين الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالتهم ، وان السلطة التشريعية تناط بمجلس الامة والملك الذي يعين أعضاء مجلس الاعيان ويعين من بينهم رئيس المجلس ويقبل استقالتهم ، وهو الذي يدعو مجلس الامة الى الانعقاد وله سلطة تأجيل انعقادها وحق حل البرلمان والدعوة الى اجراء الانتخابات . وبالنسبة الى السلطة القضائية ، فان الملك يتمتع بسلطة التصديق على القوانين والتشريعات واصدارها ، ويأمر بوضع الأنظمة اللازمة لتنفيذها وكذلك تمتعه بسلطة إعادة القوانين الى مجلس الامة ، كذلك فان المحاكم على اختلافها تصدر احكامها باسم الملك ، الذي يملك السلطة لالغاء الاحكام الصادرة ، ولا سيما في أحكام الإعدام وإصدار العفو الخاص او العفو العام.
ان هذه الصلاحيات الممنوحة لجلالة الملك ، تؤكد على ان النظام السياسي الأردني بعيد كل البعد عن النظام البرلماني الذي لا يتمتع فيه رئيس الدولة بأي صلاحيات سياسية ودستورية فعلية ، كون الرئيس الفعلي للسلطة حسب هذا النظام البرلماني هو رئيس الوزراء حيث اعطى الدستور الأردني الملك جميع الصلاحيات التي يتمتع بها رأس الدولة في النظام الرئاسي ـ البرلماني المختلط ( فرنسا ) وكذلك الصلاحية التشريعية / الفيتو التشريعي الذي يتمتع به رأس الدولة في النظام الرئاسي ( الولايات المتحدة الامريكية ) . ما يؤشر الى ان صلاحيات الملك الدستورية تمنع حدوث أزمات دستورية وسياسية بين مؤسسات الدولة نتيجة تضارب الإرادات السياسية.
الرأي