الترويج يعزز السياحة لكنه لا يصنعها
عبد الله بني عيسى
01-05-2016 06:30 PM
اشعر بسعادة بالغة كأردني، وأنا أشاهد صور البترا في إعلانات فوق جسور مدينة عالمية مثل دبي، وعلى جوانب سيارات التاكسي والحافلات، مع يقيني التام بأن الامر لا يتعدى تلك الغبطة المحمولة على مشاعر وطنية لمغترب، فالسياحة من وجهة نظري لا تصنعها الإعلانات، ما لم تكن موجودة على ارض الواقع. وهنا لا بد من التفريق بين أن يكون لديك مقومات سياحية وبين ان لديك سياحة، فالأخيرة صناعة متكاملة عمادها علمية المنهج والمسلك والتنفيذ، لا مجال فيها للاجتهادات والتجريب حتى لو مشفوعا بحسن النوايا.
حين يدخل السائح أي منشأة فندقية أو محل للألبسة في دبي، يجد لافتة مثبتة في مكان بارز، عنوانها "اعرف حقوقك كمستهلك" ، وتدعوه دائرة التنمية الاقتصادية، صاحبة اللافتة، إلى الاتصال فورا ومن دون تردد إذا واجه مشكلة في الغش او الأسعار أو تعرض للتضليل بشان جودة المنتج الذي اشتراه، والناس هنا على يقين بأن اللافتة لم توضع للترويج والبهرجة الإعلامية، بل وراءها جهاز حكومي كبير مهمته متابعة الشكاوى وانصاف المستهلك في النهاية، ولأن هذا الجهاز يدرك أنه يشارك في صناعة سياحة دائمة لبلاده، فإنه لا يتهاون مع تلك الشكاوى.
في المقابل يبلغني مواطن أردني بانه اشترى، مضطرا، عبوة ماء بخمسة دنانير في استراحة بوادي رم، بينما سعرها في البقالات 40 قرشا، فمن يحمي المواطنين والسائحين على حد سواء من هؤلاء "الفهلونجية" الذين يظنون انهم يحسنون صنعا إذا ما استطاعوا الاحتيال على الزبون وبيعه الماء بسعر فاحش. من يحمي السائح من سائق تكسي رث الثياب ويدخن بشراهة لا يتردد في طلب مبالغ أكثر كثيرا مما يستحق مقابل التوصيلة، من يحمي السائق من تلك اللغة الرخيصة التي يسمعك إياها السائق: "بدنا نستفتح منك خالي" "والله الي بطلع منك كويس"، "مشوارك بعيد وفيه زحمة"؟ من يحمي السائح من المبالغ المضافة بغير وجه حق في غياب الوضوح والشفافية من الفندق والمطعم والاستراحة ومن الأسعار الخيالية التي لا تتناسب ابدا مع جودة الخدمة؟ من يحمي السائح من رسوم حكومية تصل إلى 50 دينارا لدخول البتراء، وهي المدينة التي بناها الانباط قبل أكثر من 2000 عام، ولا فضل للحكومة في بنائها، وينبغي ان يكون هاجسنا تسويقها كمنتج حضاري للأردنيين الأوائل، بعيدا عن تسليعها ووضعها في حسابات التجارة المباشرة؟
لا يمكن ان تصنع ذهنية شعبية مواتية للسياحة بين يوم وليلة، لذلك فإن النظام الصارم الذي تضعه الحكومة والمتابعة والرقابة اللصيقة، لجميع التفاصيل التي تدخل في رحلة السائق منذ وصوله المطار ومغادرته له، هي الكفيلة بخلق صناعة سياحية تروج نفسها بنفسها، ولا تحتاج لرصد موازنات ضخمة من هيئة تنشيط السياحة.
هل شاهدتم في شوارع عمان إعلانات لشرم الشيخ مثلا؟ ومع ذلك فهذه المدينة تحتل المرتبة الأولى في تحديد الأردنيين لوجهتهم السياحية.. والامر ذاته ينطبق على تركيا وغيرها الكثير من البلدان.
بالنسبة للإماراتيين، أتساءل: ما الذي يدفع سائحا إماراتيا لاختيار الأردن وجهته للسياحة بدلا من أوروبا أو آسيا آو أستراليا؟. ثمة مساحة من الوهم والمبالغة حين نتحدث في الإعلانات المدفوع مقابلها ملايين الدنانير، عن اللغة والعادات والتقاليد المشتركة مع الخليجيين والقرب الجغرافي وغيرها. أستطيع ان أؤكد وأنا أعيش في الامارات منذ سنوات طويلة، بان هذه اللغة لا أهمية لها، وبان تغيرا هائلا قد طرأ في المفاهيم المتعلقة بالسياحة لدى الخليجيين، فالمواطن الاماراتي لا تعوقه أسعار التذاكر ليضطر لاختيار الوجهة الأقرب جغرافيا، كما لم تعد اللغة عائقا مع انتشار الإنجليزية هنا على نطاق واسع، ولم تعد العادات والتقاليد المشتركة معيارا اساسيا في ضل التنوع الهائل في الخيارات التي توفر بيئات أقرب لطبيعة الواقع المعاش في بلاده. السائح الاماراتي، يبحث عن سياحة منظمة ومقوننة، وأكثر ما ينفره إمكانية تعرضه للاستغلال والتضليل.
ثمة فئة لا يستهان بها من السائحين الخليجيين لا يقصدون الأردن لكي ينعموا بالفنادق والشواطئ والمنتجعات، التي تتوافر في بلادهم بأعداد واشكال متقدمة جدا عن تلك الموجودة في الأردن، إنه يبحث عن الشيء الذي يفتقده في بلده، وهنا بالذات نتذكر أن الربيع في الأردن ثروة مهدورة بشكل كبير، إذ تهمل الجهات السياحية الرسمية والمكاتب السياحية هذا الفصل المتميز والرائع للسياحة في الأردن، وتركز على الصيف الذي تكون أوروبا وتركيا فيه المقصد الرئيس.
تسويق الأردن سياحيا عبر الإعلانات ينجح فقط حين تتطابق الصورة الزاهية للأردن في الإعلانات، مع الواقع، وحين يكون هناك قيمة مضافة حقيقية للسياحة على ارض الواقع. وهذا الامر كفيل بجذب الالاف من كل انحاء الكون بطريقة لا تقوى عليها الإعلانات، وحين نصل الى تلك المرحلة يكون الإعلان رديف ومساند ومعزز للسياحة.