كشفت الأزمة التي تعيشها جماعة الإخوان المسلمين في الأردن منذ سنوات الكثير من تناقضاتهم، التي تؤكد ما أشرنا إليه في المقال السابق عن حلال الإخوان المسلمين وحرامهم، والذي قلنا فيه أن مواقف الإخوان المسلمين وتحالفاتهم وتحليلهم وتحريمهم للمواقف لا يستند إلى الشريعة، بل إلى المصلحة الدنيوية البحتة، حتى وإن تعارضت مع أحكام الشريعة، وهذا ما يفسر لنا الكثير من التناقضات التي تقع فيها بعض فصائل الجماعة في الأردن، والتي تحولت إلى جماعات وفصائل، من ذلك على سبيل المثال أن مجموعة التنظيم السري تتهم جمعية الإخوان المسلمين المرخصة بأنها ارتمت بحضن الدولة الأردنية، وأنها تتعامل مع الأجهزة، ولكن عند مراجعتنا للكثير من أقوال وتصريحات مجموعة التنظيم السري، نرى أنها في ثنايا دفاعها عن مواقفها من الجمعية المرخصة، ومن مجمل علاقاتها بالدولة الأردنية فإن هذه المجموعة تتغنى بتحالف الجماعة مع الدولة الأردنية، بل وأكثر من ذلك تزعم أن الجماعة حمت الدولة الأردنية، كما أشرنا إلى ذلك في مقال (من الأحق بالمن)، وزيادة على ذلك فإن الوثائق والوقائع تقول: أنه عندما تم الاتجاه داخل الجماعة أيام شهر العسل الذي كان يجمعها مع الدولة الأردنية قبل أن ينقلب بعض الإخوان على الدولة تحت أوهام الربيع العربي، وما جرى في مصر، أقول أنه عندما تم الاتجاه داخل الجماعة إلى تشكيل ماعرف يومذاك بـ(اللجنة الأمنية)، لتتولى التنسيق مع أجهزة الدولة الأمنية بعد أن اشتد التنافس بين قيادات الجماعة على التنسيق مع هذه الأجهزة، كان (الصقور) من أشد الناس حرصاً على نيل هذه العضوية، فهل كان التواصل والتعاون مع الأجهزة يومها حلالاً وأصبح اليوم حراماً؟
هذه واحدة تكشف بعض تناقضات الإخوان المسلمين، أما الثانية فهي أن المجموعة التي كانت ترى أن الجماعة أكبر من الترخيص، وأنه ليس هناك قانون يستوعبها، هي نفس المجموعة التي صار أفرادها الآن يلوحون للرأي العام بذريعة أن الجماعة مرخصة من أربعينيات القرن الماضي متمترسين خلف هذا الترخيص ، متناسين كل الاستحقاقات والاشتراطات القانونية التي حدثت بعد حصول الجماعة على الترخيص الأصلي، الذي صار باطلاً بموجب التشريعات التي صدرت بعد ذلك، ومن الجهة التي رخصت الجماعة وأعطتها الشرعية بموجب أحكام القانون، بل أكثر من ذلك أيضاً فإن المجموعة التي كانت ترفض الترخيص باعتبارها أكبر من القانون ثم صارت تلوح بترخيص الأربعينات وتتمرس خلفه، صارت الآن تسعى إلى الحصول على الترخيص بقانون خاص، وهو شرط يعرف الجميع أنه يدخل في باب المناورة، ورفع سقف الشروط، وقد نسي أصحاب هذا الشرط أنه فات زمن الشروط وأن القاعدة الدستورية تقول أن الأردنيين أمام القانون سواء، فلماذا يريد هؤلاء أن يميزوا أنفسهم عن سائر الأردنيين؟ ولكن الأهم من ذلك أنهم يقبلون بمبدأ الترخيص، بل ويسعون إليه فهل سعيهم للحصول على الترخيص عمل شرعي ووطني، وحصول غيرهم على الترخيص يتناقض مع الشريعة وارتماء في أحضان الدولة، علماً بأن الدولة هي التي تمنح التراخيص للجميع، ألا يكشف هذا السلوك من مجموعة التنظيم السري تناقضاً آخر من تناقضاتهم الكثيرة التي انسحبت على مجمل مواقف الجماعة بعد أن اختطفتها هذه المجموعة؟
كثيرة هي التناقضات التي اتسم بها سلوك جماعة الإخوان المسلمين منذ تسعينات القرن الماضي حتى الآن تجاه الدولة الأردنية ومكوناتها، ابتداءً من مواقفها من الانتخابات، والتي تذبذبت بين المشاركة والمقاطعة لأسباب تؤكد الوقائع والوثائق والشهود أنها مرتبطة بالصراعات داخل الجماعة، بخلاف ما كان يعلن من أسباب، وكلها أسباب تصب في تأكيد حالة التناقض في المواقف التي مارستها الجماعة، والتي قامت بممارسة بعضها من خلال حزبها في إطارهيئة التنسيق بين أحزاب المعارضة، التي انتهت مع اندلاع ما يسمى بالربيع العربي، حيث ظن الإخوان أن الأمر آل إليهم فانقلبوا على كل حلفائهم، فلم تعد دمشق عاصمة الممانعة، ولم تعد طهران محج وفود الإخوان، ولم يعد حسن نصرالله سيد المقاومة، وصارت اسطنبول عاصمة السلطنة، وصار التنسيق مع الأمريكان مباحاً، في أوضح صورة من صور تغير الخنادق ونقل البنادق من كتف إلى كتف، وتناقض المواقف بعيداً عن أحكام الشريعة و نزولاً عند حساب المصالح، وهو أمر ليس كله عيب، إلا إذا كان على حساب المصالح الوطنية، وإلا إذا صار حلالاً لفلان وحراماً على فلان، على طريقة مجموعة التنظيم السري.
الرأي