تبث احدى القنوات الفضائية مقطعا لعجوز فلسطيني من سكان مخيم اليرموك، يشكو بمرارة، وقد انحنى ظهره، قائلا بلهجة عامية « ودونا ع اسرائيل» تعبيرا عن المرارة الشديدة، والالم.
يقول هذا الكلام تعبيرا عن العذاب الذي يعيشه باعتباره اشد بكثير من العذاب الذي تعرض له الشعب الفلسطيني على يد الاحتلال الاسرائيلي.
الخلاصة ذاتها تسمعها بين سوريين كثر، يقولون بشكل مباشر وواضح، اسرائيل ارحم من نظام الاسد، وبعضهم يضيف: اسرائيل لم تفعل كل هذا بالشعب الفلسطيني. برغم ان الجميع يعرف انها احتلت فلسطين، وطردت شعب فلسطين، وقتلت وأسرت، لكن كثرة من السوريين تشير الى صنوف العذاب والتقتيل والتفنن بالذبح داخل سورية، بما يفوق مايفعله الاحتلال مع ان المفترض، ألاّ يكون النظام السوري اكثر بشاعة من الاحتلال، لانه من سورية نهاية المطاف.
تتابع صورة اطفال حلب، والبيوت المهدمة، وغير ذلك من صور، فترى بشاعة عز نظيرها، في القتل، والمجرم الذي يطير بطائرته العسكرية يخرج في مهمة عنوانها قصف موقع ارهابي، او تجمعا لفصيل، ولايهمه من يأخذ في الطريق من الابرياء، الذين لاعلاقة لهم، بكل هذا الصراع القذر، الذي دمر بنية الدولة السورية، وجعلها خرابا، لايحسد وارثه، بقي الاسد، ام حكمت المعارضة، اذ كلاهما سوف يجلس على كومة من الخراب.
أنسنة اسرائيل تجري بشكل يومي، فكل الذين يشاهدون بشاعات الاسد، وشاهدوا بشاعات القذافي، وغير ذلك من بشاعات عربية، اكتشفوا ان الاحتلال الاسرائيلي، اكثر انسانية، حتى برغم سرقة كل فلسطين، وتشريد اهلها، وسرقة الارض، فالقتل في اسرائيل موسمي، وفقا للحالة، ورد الفعل، لكنه عندنا مستمر، تحت عناوين وطنية، من ممانعة ومقاومة وغير ذلك، تؤدي فعليا الى قتل السوريين وليس الاسرائيليين.
أنسنة اسرائيل تجري بطريقة خطيرة في المنطقة، اذ يتم تغييب صورة المحتل، لصالح الواقع بكل مزاياه، فإسرائيل تمنح حقوقا لمن احتلتهم، من جوازات سفر وعلاج ووظائف، ولاتطلق نيرانا الا اذا اطلق عليها النار.
عندنا يتم تصنيع صورة سيئة، لابناء البلد الذي يقتلون بعضهم البعض تحت عناوين مختلفة، ويراد ان يقال للناس ان اسرائيل ارحم مليون مرة من اهل العروبة والاسلام، والا لماذا يفر كل عام الاف العرب عبر الحدود الى اسرائيل طلبا للحياة والوظائف، ولماذا يفتتن كثيرون بالاحتلال، لولا الجوع، اولا، ثم خلخلة العداوة التاريخية حين تجري المقارنة، بين الاحتلال، والسلطة العربية وماتفعله بشعوبها.
هذا كل ماتريده اسرائيل، اي انسياب المقارنات امام العالم وبين العرب ذاتهم، بحيث يكون السقوط في فخ الانسنة هنا، مروعا، وبحيث تكون اسرائيل نموذجا للحياة، وللرحمة، من باب المقارنات، بين اسرائيل وابناء الجلدة الواحدة.
هذا فخ كبير، لانه لايمكن ان نفصل بين اسرائيل ومايجري بأدوات اخرى في المنطقة، اذ كل مانراه، ليس معزولا عن الاحتلال ورغبته بتدمير كل جوار فلسطين حصرا، بأدوات محلية وعربية واقليمية، وعلى هذا فأن مانراه لم نره، لولا نشوء اسرائيل اساسا، وادواتها السياسية والعسكرية والاعلامية، وهذا كلام يقال لاولئك الذين يفتتنون بالصورة، ويغرقون في الاستنتاج السطحي، دون استبصار بشأن المحرك الاساس لكل هذا الخراب.
كلام لابد ان يقال حتى لاتتسرب الصهيوينة الى عامة الناس، اعجابا او من باب حسن الظن والسذاجة في كل مانراه.
الدستور