هل يضحك البحر في بلادنا ؟
عمر كلاب
30-04-2016 04:17 AM
الاستدلال على ضحك البحر مثل العنقاء والغول، اقرب الى الاستحالة، فالملح سيد الموقف فكيف اجتهد صاحب الاغنية التراثية في معرفة الفوارق بين الدموع الناجمة عن الضحك او عن الالم، فاليقين ان الدمع مالح ولم اسمع ان الدمع الناجم عن الضحك حلو، وماء البحر مالح وفم البحر مالح سواء كان ضاحكا او باكيا، وشريط البحر في بلاد العرب مسكون بالالم منذ ولادته، من عرق الصيادين او فقر الباحثين عن اللولؤ، فكيف استدّلت اغنيتنا التراثية على ضحك البحر وابتسامته وكل شواطئه غارقة في الدم والالم واخيرا جثث المهاجرين المنشولة بدل السمك من شباك الانظمة، من اول نقطة على المتوسط الى اخر ضلع في المثلث بحرنا منهوب ومسلوب، من حيفا حتى صور ومن اصيلة حتى تطوان، لا يوجد بحر ضاحك في بلادنا، الا خيال رسمه عاشق او شاعر.
البحر في بلادنا على حواف الصحراء فهو ليس اكثر من صحراء مائية وكلاهما يورث الملح سواء من الماء المتصبب على شكل عرق او من ماء البحر المالح، فلا خضرة على شواطئ البحر ولا واحات في الصحراء فحياة العربي بين صحارى مائية وترابية فكان المحصول ملحا على شكل افكار واراء وساسة، وهذا سبب ارتفاع الضغط المزمن عند كل العرب وللمفارقة فإننا اكثر الشعوب اصابة بمرض السكري ليس لحلاوة معيشتنا بل لتحريم الحلاوة علينا حتى على شكل سُمّ ابيض اسمه السكر، فتلاقت علينا الطبيعة ببحرها وصحرائها بين ضغط يوجب الابتعاد عن الملح وبين سكرّي يقطع العلاقة مع الاشياء الحُلوة، و لذلك نغني البحر بيضحك ليه، وكأننا اردناه ضاحكا فنعاتبه على ضحكاته الافتراضية او نعاتبه لانه يضحك علينا لا لنا، فهو يسير على شطآن بعيدة يضحك ساكنوها كثيرا.
البحر يُشفي الجراح باملاحه، وكنا نتمضمض بالماء المالح بعد خلع الاسنان لينشف الجرح وينقطع نزيف الدم، ورغم البحر المحاذي لكل اراضينا العربية فان جراحنا ما زالت خضراء منذ سنين، فالخضرة الوحيدة الموجودة في بلادنا هي خضرة الجرح اليانع دائما منذ اول فلسطين واخر سوريا والعراق وما بينهما، فحتى الملح المتراكم منذ قرون فوق صدورنا واعادة انتاج الملح كل عقد على الاكثر فالجراح خضراء يانعة والمياه العذبة شحيحة ونقوم بتوزيعها بأدوار وفق نظام صارم حتى لا يرتوي العاشق والشاعر والمواطن الا من خلال عبوات لا يستطيع دفع ثمنها الا تجار الملح بكل اشكاله واصنافه، ملح السياسة وملح التجارة والاستثمار الاجنبي والشركات المتعددة الجنسية والبنوك العابرة للحدود والافراد العابرون للجغرافيا السياسية والتاريخية.
في مغامرة دفع سنين طويلة من حياته لاجلها، حاول شاعر فهم ضحكات البحر وغامر في قراء القادم من اعماقه، فأنتج مرثاة على شكل اغنية اسمها البحر بيضحك ليه، واجاب في نهايتها التراثية او اضاف على نهايتها التراثية كلاما دفع ثمنه، البحر غضبان ما بيضحكش، أصل الحكاية ما ضحكّش، البحر جرحوا ما يدبلش وجرحنا ولا عمره دِبل، فلماذا نصرّ ان البحر يضحك ونعاتبه على الضحك، لا نريد من البحر شيئا الا ان تقوم املاحه بكي جراحنا كي تشفى او تنشف، لا نريد من البحر غير ذلك .
الدستور