أوجاع ثقافية *خالد الكركي
26-04-2016 02:36 PM
* مقتطف من مقالته في جريدة "الرأي الغراء" عام 1986
ليس هناك من كتابنا من لا يطرح السؤال حول الواقع الثقافي ، وليس بيننا من لا يسعى إلى الإجابة عنه ، وقد كانت (ندوة الكاتب الأردني) التي أعدت رابطة الكتاب أوراقها ومحاورها محاولة في العمل بروح الجماعة لفحص واقع الكتابة وشؤون الكتاب ، غير أنها حجبت وخسرنا المحاولة .
أقول : إن حالة عامة من التراجع الثقافي تبدو في الظاهر غير أن نبض الكلمات لم يتوقف ، والذين يرون أن الثقافة نسيج من رؤى الناس وتجاربهم لا ينتظرون كثيرا من المؤسسات الثقافية الرسمية ، غير أنهم يسجلون علينا جملة من الملاحظات ، ويعتقدون أن على هذه المؤسسات أن تصل إلى الناس : بالكتاب زهيد الثمن ، والمسرحية الجادة ، والمكتبة ، والحديث الإذاعي ، والحوار الثقافي في التلفزيون ، والأغنية النابعة منهم ، واللوحة التي تفتح باب الحلم ، والمقطوعة الموسيقية التي تقصر الليل الطويل، وذلك محتاج إلى مناخ وحدود المناخ معروفة للجميع .
أعود إلى الملاحظات التي تمس هذا الواقع الثقافي الحي وأسجل أولا أن الخطة الخمسية لقطاع الثقافة حد أدنى للبداية ، وأن نصف العام الأول منها يرحل ولم يبدأ تنفيذ بعض مشاريعها مثل: "دار ثقافة الأطفال" و"الفرقة الوطنية للمسرح" و"الدار الوطنية للنشر والتوزيع والترجمة" .
وأسجل ثانيا أن مجلة "أفكار" أهم مرجع للحركة الثقافية والأدبية منذ منتصف الستينات قد عادت إلى التوقف مع أن تجربة إصدارها الأخيرة كانت متميزة ، ولعل العجب أن يكون السبب في ذلك إجراءات إدارية ومالية تتعلق بالعطاءات ، ونحن نرى أن مجلتنا الشهرية الثقافية الوحيدة تستحق اهتماما أكبر من هذا ! .
أسجل ثالثا ان "المركز الثقافي الملكي" و"مسرح المرحوم أسامة المشيني" يجب أن تنبض بالنشيد والنغم والحياة المسرحية ، وإذا كانت الظروف المادية تعطل مثل هذا النبض أو إذا كانت الظروف الإدارية هي السبب فلا أعتقد أنهما مسوغان منطقيان كي تظل العاصمة في حالة ركود ثقافي وفيها عشرات الآلاف من الظامئين إلى المعرفة والفن وغيرهم ممن يجب على القيادات الثقافية أن تسعى إلى ردهم نحو الثقافة الجادة ذات العمق الوطني والفرح الإنساني .
أسجل رابعا أن دور الروابط الثقافية متميز في هذا الواقع الثقافي ، وأسجل عليها أنها لم تصل إلى الناس خارج المدن الرئيسية ، وإذا كان لاعتذار يقدم للناس أن يقبل فإنني وأنا شاهد على تجربة "رابطة الكتاب" في الأعوام الأخيرة أرى بأنها ، أي الرابطة ، ظلت عند حد المبدأ الرئيسي : بأن "الناس هم الرؤية والهدف" وأعتذر عنها لضيق ذات اليد التي حجبت الكثير من طموحاتها في النشر والندوات ، ولقد سعت أن تكون لها مجلة وأن يكون لها موقع وأن يكون لكتابها : صندوق للدعم ، وآفاق للسفر ، وتعدد في الرؤى الفنية ، وجوائز باسم الراحلين ، ومثلها للمبدعين ، ولا أظن وضع الزملاء في الروابط الشقيقة مختلفا عن هذا بكثير.
وأقيد خامسا أن الدور الثقافي للإذاعة محمود بيننا ، وأن قدرتها على الوصول بالناس لم تتراجع منذ بدايتها ، وقد كانت لنا ندوتنا ، وكتابنا ، وعكاظ قصيدتنا ، عندما كانت القرى التي جئنا منها تفتح عينيها على صوت الإذاعة الصباحي يوم لم تكن الصحف والكتب سهلة التناول ولا كان التلفزيون قد ألقى مراسيه عند شواطئنا.
وأقيد سادسا أن الدور الثقافي المطلوب من التلفزيون الأردني ما زال في جملة الملاحظات الرئيسية في واقع الحركة الثقافية ، إنني أعني الندوة والحوار في القضايا العامة : في السياسة ، والفكر ، والثقافة ، والأدب والهموم .. إن دوره في الثقافة الوطنية يقتضي أن يكون جل الوقت في برنامجه الثاني مخصصا لبث الوعي ، ولرفع مستوى اللغة ، وإعلام الناس بإنجازات أبناء الوطن في العلم والثقافة والبحث في مئات الرسائل التي تمنحها الجامعات في الكتب التي تصدر، والقصائد التي ترى النور ، في آفاق العلم والثقافة اليومية والإنسانية ، في أن يكشفوا لنا عن أجمل ملامح الصبر والمعاناة في الوطن وفي وجوه الآباء الذين باعوا القمح والزيت كي يتيحوا لنا التعليم يوم كانت سنوات القحط تتوالى ولم يسمحوا بها بإطفاء تلك الشعلة الرائعة : التعليم .
وأكتب سابعا أن تفاؤلا بصحوة ثقافية ما زال يفرض مناخه علي وإلا لكنت أكتب مقالة بعنوان : "تهافت الثقافة" وإذا كان للمثقفين أن يحققوا الرؤى فإن عليهم أن لا يتخلوا عن التفكير بالوطن القوي الجميل ، وبالإبداع – التجاوز ، وبحتمية تحرير الأرض من الغزو الصهيوني ورد الأمة إلى وجهها العربي النبيل.
هذه حالتنا .. والمسعى نحو الرسالة والقوة والنصر واضح ، وهذا هو الزمن الواقعي : لا خرافة ، ولا تبعية ، ولا يأس ، إنه زمن الثقافة العربية .. زمن ثقافة الأمة وعودة وجهها الأصيل.