عمّانيون دون "كلأ وماء" ..
باسل الرفايعة
26-04-2016 05:10 AM
نحنُ عمّانيون أيضاً. كلنا: الشراكسةُ، والشيشانُ، والأرمنُ، والأكرادُ، والدروزُ، والتركمانُ، والشوامُ، وأهلُ فلسطين والعراق والحجاز، وَيَا للمفاجأة، فأبناءُ المحافظاتِ عمّانيون، مثل غيرهم، ويُفطرونَ في مطعم هاشم، قبل مراجعةِ الوزارات والدوائر الحكومية، ثمّ يهبطون إلى كنافة "حبيبة" في وسط البلد.
هناكَ مَنْ يكتبُ حينَ ينسى. ثمَّةَ من يختصرُ هويَّةَ المكانِ في الولاءِ، على نحوٍ انكشاريٍّ، فينسى، وهو يكتبُ أنَّ الخَرفَ من أمراضِ الذاكرة، وينسى أنّ الشهودَ أحياءٌ، يُرمِّمون بيوتهم في حيّ المهاجرين، ويتجوّلون يوميّاً بين مجمّع الشابسوغ، وسوق الذهب، وسوق السُكّر (هناك مجوهرات "العقايلة" مثل "سكجها" و"كرم امسيح"..). بعضهم من قبائل بني صخر، ومن التعامرة، ومن آل جبري، ومن رَبْع مصطفى وهبي التل في وادي السير.
أكرِّرُ ثمَّةَ من ينسى أنَّ الخيولَ كانت قليلةَ الصهيلِ، حينما عبرتْ صحراءَ معانَ إلى عمّانَ ودمشقَ وبغداد، لولا أنَّ نساءً أسرجنها بالميسور، ورجالاً علفوها ببأسهم بعدَ قهرٍ وضيقٍ، وصاحوا بالحصان الحديديّ العثمانيّ أنْ يتوقّفَ في محطتهِ الأخيرة، فَلَمْ تعدْ أشجارنا فحماً لمراجلِ الحطب، ثمّ أنَّ الخيولَ تجرُّ عرباتِ المؤونةِ، والذخائر فقط. فلم تسحبُ الخيولُ الحجازية المُدرجَ الرومانيّ، ولا جبلَ القلعة، وقِسْ على ذلك سبيلَ الحوريّات، وعين غزال. أقصدُ عينَ الغزال، لا أذناب الثعالب.
عمّانُ لا تُورَّخُ بحجازٍ، ولا بشامٍ، ولا بقوقاز، ولا بريفٍ وباديةٍ. والعمّانيون لا يجمعهم الولاءُ لقبيلةٍ. دَعْ التاريخَ يروي حكايته في سردٍ مُشوِّقٍ، مِثْلَ حجارةِ المدينةِ المصفوفةِ من محاجر معانٍ والرويشد والخليل. يجوزُ أنْ تقولَ إنَّ للعيونِ محاجرَ للدمعِ أيضاً، لكنْ عليكَ أولاً أنْ تتعلّمَ البكاءَ، حينَ تضيعُ منك المدينةُ، ويعلو فيكَ البدائيُّ اللاهثُ وراءَ "الكلأ والماء". وما مِنْ كرمٍ أنَّ المراعي مفتوحةٌ لك، لكنَّكَ ترعى عِنْدَ سُوَر القصرِ، وينابيعِ السلطان، فهنيئاً لَكَ العشب اليابس.
نحنُ جميعاً آلُ عمان. آُلها، ومآلها. لا تكتبْ، ولا تنسَ. كُنْ عمّانياً مثلنا. فعبد الحميد شومان مقدسيٌّ عمّانيّ، والطبيب يعقوب زيادين ابن السماكية الكركية كان نائباً عن القدس، وفتحَ عيادةً في وسط البلد. أنا لا أحذفُ مثلكَ صايل الشهوان وماجد العدوان، ولا عقاب العجرميّ، وفارس عوض، وحمدان الهوّاري. أنا أكتبُ في أول السطر كلّ العمّانيين: الشركسيّ سعيد المفتي. الشآميّ صبحي جبري. الدرزيّ رشيد طليع. النابلسيّ طاهر المصري. وحتى ذلك الرجل المهاجر من نيجيريا بكاملِ شمسه ودهشته. إنهُ أبو أحمد النيجيريّ الذي كانت تشتري منه إميلي نفّاع فُستقاً، بعدَ أن تنتهي من مظاهرةٍ، لأجلِ فلسطين. لعلَّكَ تعرفُ عربته ودخانها في سوق الذهب.
الحكايةُ كلها ميراثٌ، قد تشبه قلادةً، أو "قوشان" أرضٍ. أو عشرة قروشٍ في كفّ سائق السرفيسِ، وهو يصعدُ شارعَ السلط، ولا يعرفُ من عمَّان أبعدَ منْ مُجمّع العبدلي، حينَ كانَ مهبطاً لأبناء المحافظاتِ القادمين من حوران..