حيث أن الحديث يدور اليوم عن تعديلات دستورية، فمن الضروري والصحي والمنطقي أن يكون للشعب رأي في أي تعديل يطال دستوره، فإذا كانت القاعدة الفقهية تنص على أن لا إكراه في الدين فمن باب أولى أن لا يكون هناك إكراه في القوانين، بل إن رضا الناس مطلوب فيما يختص بسن تشريعات ترتبط بشؤونهم وتسيير أعمالهم اليومية؟! فليُفتح معهم باب الحوار ما أمكن عند سن القوانين والدساتير، حتى تكون محط احترامهم وتقديرهم ويتولون هم أنفسهم تنفيذها والدفاع عنها، فيكونوا هم المشاركون في صناعتها وليسو المجبرين عليها، ولا يكون ذلك إلا إذا استندنا فيما نفعل إلى منطق الديمقراطية "الشورى"، وبالرجوع إلى الدستور ذاته، الذي جاء فيه:
المادة 15 من الدستور يؤكد على أن تكفل الدولة حرية الرأي....
المادة 24 تؤكد على أن الأمة مصدر السلطات.
المادة 25 تؤكد على أن تناط السلطة التشريعية بمجلس الأمة "مجلسي النواب والأعيان" والملك، مع أنني أتمنى لو تضاف لهذه المادة كلمة خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان الديمقراطي وهي المواطن.
وحيث أنه ظهر تباين في الآراء فيما يختص بالتعديل الأخير للدستور المتعلق مثلاً بحق مزدوجي الجنسية بتبوء المواقع المتقدمة في الدولة، وحيث أن الوطن غالي على أصحابه والكل يود أن يدلي بدلوه وهذا حق لكل منهم، وكان التباين واضحاً بين كل من السلطة التنفيذية وبين بعض أعضاء في مجلس النواب، وقد كان دور الإعلام إيجابياً فلم يقف مكتوفاً بل سمح للرأي والرأي الآخر بالظهور بحرية وعفوية في زاوية هنا وعامود هناك ولقاء أو أكثر مع مؤيد ومعارض، إلا أن التعبير والتمثيل في الصحافة خاصة يكون لمن لديه تمكن لغوي وفصاحة.... ، ولا تسمح صحافتنا ومؤسساتنا الإعلامية بالسماح لغير المتمكنين لغوياً بأخذ حيز مناسب لأسباب واضحة، ومن هنا فمن سينقل رأي تلك الأغلبية الصامتة "ظاهرياً" إلى مكانه المناسب والصحيح في التأثير على صناعة القرار؟!
وعليه فإن أولئك المواطنون قد أمسوا بلا منبر لهم، وعليه يكونوا قد حرموا من حق أتيح لغيرهم وحرموا هم منه!
ونتحدث في الوقت ذاته عن حقوق البعض "القلة القليلة" فماذا عن حقوق الكافة! وقلنا وأكثرنا القول في الفكر الشفاف والتشاركية في صناعة القرار، وحيث أن هذا الشعب الطيب اثبت عقلانية في صياغة شكل حاضره ومستقبله، وأبدى حكمة بالغة في انتهاجه السُبُل السليمة والسلمية في التعبير عن وجهة نظره، واختار الديمقراطية صراط لتحقيق أحلامه، بل إنه أصبح قدوة وشكل مدرسة جديدة في التصالح مع الذات فأذهل العالم بأمنه وباستقراره، وكان هذا نتيجة دستورنا الذي سمح بحرية الرأي، وجعل منا أمة مصدر سلطة وغير مقموعة بسلطة، فأرغب بالمزيد لشعب عظيم كهذا الذي أتشرف أنني واحدا منه إذ أنه جمع بين الجنسية والوطنية، حتى جاء يوم علينا أصبح نيل جنسيتا يؤخذ تنافسياً، فطوبى لنا معشر الأردنيين حرس الثورة العربية الكبرى، لا انفصام لها...نعم أرغب بالمزيد، فطلب العلى لدينا لا يتوقف عند حد وهذا هو سبب تميزنا عن غيرنا ورغبتهم بجنسيتنا، وأقصد بذلك أن تكون تعديلات الدستور تقضي بأن تُسمَع وجهة نظر المواطن الأردني فرداً فرداً «ولو من قبيل الاستئناس» فيما يحصل اليوم من أمور تمس صلب مستقبله، فيمكن أن يكون ذلك من خلال التصويت أو الاستفتاء الشعبي الإلكتروني، أو عبر موقع يخصصها أعضاء مجلس النواب تخص دوائرهم وتعبر عن توجه ناخبيهم بذلك الأمر، لينقل النائب وجهة نظر دائرته بإرسال النتيجة لأمانة سر المجلس وتعلن عبر جلسات المجلس للجميع، فبالإضافة لتصويت الأعضاء نكون قد أخذنا فكرة عن تصويت الدوائر ولن نخسر شيء لو جربنا ذلك، أو عبر موقع استفتاء رسمي تحدده الدولة، مستفيدين من وسائل الاتصال الحديثة، أو من خلال صناديق اقتراع، فإذا ما قال المواطن "الوطن في هذه الحالة" كلمته سيكون قد أعطى صاحب القرار "الضوء بجميع اطيافه" للمضي قدما في صنع القرار، وربما ساهم في حسم موقف عمته ضبابية أو وصل إلى طريق مسدود، هذا هو مفهومي الشخصي لعبارات الحرية والأمة مصدَر السُلطات في دستورنا الذي أُجل، فليتمه الله.
muheilan@hotmail.com