حذار من منطق « وأنا .. مالي » ؟!حسين الرواشدة
21-04-2016 03:32 AM
اخشى ان يقتنع الناس في بلدنا ان ما يقوله المسؤول او يفعله هو قضاء وقدر ، او انه نصيب مقرر ومكتوب ، لا مجال للنقاش فيه ، ولا الهروب منه ايضا . واخشى ما اخشاه ان يتعامل المسؤولون مع الناس بهذا المنطق ، ومع المقررات التي يتوجب عليهم ان يدرسوها ويقولوا كلمتهم فيها بمنطق “ وأنا مالي” ، فيندفعون عندئذ الى تمريرها وربما تزيينها ايضا. لا اريد ان اذكّر القارئ الكريم بخلفيات هذه الخشية واسبابها ومبرراتها ، فهو اعلم مني بذلك ، اريد فقط ان استأذنه بتسجيل عدة ملاحظات ، الاولى ان بلدنا يشهد حالة “استقالة” من السياسة ، فقد اقتنع الناس ( هل اقتنعوا حقا..؟) انه لا جدوى من الانخراط في العمل العام ، ولا مصلحة لهم في رفع اصواتهم ، كانت لهم بالطبع تجربة في ذلك راهنوا عليها منذ سنوات ، لكنها انتهت وفشلت ، واكثر ما يرعبهم هو صورة الاقليم المدمّر الذي تحولت فيه الاوطان الى فوضى وشلالات دماء، وبالتالي فانهم لا يريدون اكثر من ان يحافظوا على هذا المركب، الذي هو الوطن ، ويتحملوا من اجله كل شيء، حتى لو كانوا يعتقدون انه يتعرض لرياح عاتية تحاول ان تحرفه عن مساره بيد ابنائه قبل اعدائة ،وان مخاوفهم فهمت باتجاه “غلط” جرى استغلالها من قبل البعض. اما الملاحظة الثانية فهي ان بلدنا شهد بروز طبقة من المسؤولين الذين لا علاقة لهم بالمسؤولية ، فهم مجرد “حامل بريد” لا يفكرون الا في مصالحهم الخاصة ، ولا رغبة لديهم بالاعتراض على اية قرارات ، حتى لو كانت تتعارض مع رؤيتهم ومع مصلحة البلد ايضا ، هذه الطبقة التي تسللت الى مواقع المسؤولية ظل همها الاول والاخير ان “تبقى وتتمدد “في مواقعها ، وان تحظى بالرضى والقبول ، ولم يخطر في بالها ان “الرحلة “ قصيرة مهما طالت ، وان حكم الناس والتاريخ عليها سيكون اقسى مما تتصور . الملاحظة الثالثة هي ان عدوى “ وأنا مالي” انتقلت من المواطن والموظف البسيط الى المسؤول ، ثم تحولت الى ثقافة عامة في المجتمع ، وبالتالي فهي لا تعبر فقط عن “موت السياسة “ وانما عن عزوف الناس عن المشاركة ، وربما التعبير عن قضاياهم ومخاوفهم على بلدهم ، بما يعني اصابة المجتمع بالشلل ، كما انها تعكس حالة من “اللامبالاة” لدى الجميع ، رغم احساسهم بالخوف والخطر ومن الخيبة والانتظار ايضا. الملاحظة الرابعة هي اننا لا نكاد نفهم ما يحدث لنا وما يجري حولنا ، واذا كان غياب الفهم مشكلة في حد ذاته ، فان افتقاد الرؤية مشكلة اخرى ، كما ان التعامل بمنطق التذاكي والاستعلاء والاستهانة بعقول الناس جعلهم يمارسون نوعا من “البلادة” المتعمدة ، ودفع البعض منهم الى الاحساس بالاحباط ، وفسح المجال امام انتشار الشائعات المدمرة ، وبالتالي فان اهم ما نحتاجه في هذه المرحلة هو العثور على “البوصلة” الوطنية وتحديد اتجاهها للخروج من التيه واعادة الثقة للناس والامل لهم ايضا. الملاحظة الخامسة ، انه اذا كانت المكاشفة تعبر عن حالة من القوة والثقة بالنفس ، فان التمويه والاختفاء خلف جدران “ التعميه” يعكس حالة من الارتباك والخوف والعجز ، ومع التسليم ان بلدنا اجتاز المرحلة العاصفة باقل ما يمكن من خسائر ، فان المفترض ان نستثمر هذه الفرصة لترسيخ قوة الدولة وتماسك مؤسساتها ، لكي تعبر منها نحو واقع جديد يجعلها اشد صلابة لمواجهة اية مستجدات او اخطار قادمة. تبقى الملاحظة الاخيرة وهي ان امتحاننا الذي يفترض ان نتجاوزه بنجاح لا يتعلق بتصفية الحسابات فيما بيننا ، ولا بانتصار رغبات بعضنا ، وانما يتعلق بقدرتنا على اعادة العافية لمجتمعنا ، وترسيخ هيبة دولتنا ، وهو امتحان صعب ، ولا يمكن ان ننجح فيه الا اذا تحررنا من منطق “ وانا مالي “ ومنطق “انا ومن بعدي الطوفان “ ، فهذان المنطقان هما اللذان اسسا لاسطورة المبالغة في تقدير الذات ، والقطيعة مع المحيط ، والطلاق مع الناس ، وهما اللذان قادا غيرنا الى الخراب. نحتاج اليوم اكثر من اي وقت مضى الى مصارحات حقيقة تكشف عن عيوننا الغبش ، وتجنبنا الوقوع في الغلط والندم ، وتعيدنا الى معادلاتنا الحقيقة الاصيلة التي حافظت على “البناء” . هذه المصارحات ممكنة وضرورية ايضا ، لانها ستكون المدخل الاساسي لاية مصالحات وتوافقات اصبح لا غنى لنا عنها ، حتى وان تصور بعضنا اننا انتهينا منها او ان وقتها لم يحن بعد.
|
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة