عما يجري للإخوان والقراءات الناقصةياسر زعاتره
20-04-2016 03:07 AM
لا شك عندي في أن الذين أداروا جماعة الإخوان في الأعوام الأخيرة قد عانوا من قصر نظر واضح، بخاصة في إدارة شأنها الداخلي، لكن ذلك شيء، وقراءة الموقف الرسمي من الجماعة شيء آخر. المنطق الطبيعي في عالم السياسة هو أن أحدا لا يحب المعارضة، وكل سلطة تسعى لتحجيم معارضتها، وهي تتمنى دائما أن تخطئ تلك المعارضة لا أن تصيب، ومن يقول غير ذلك لا يعرف شيئا في السياسة، ولا في عوالم التنافس البشري. ومن الطبيعي تبعا لذلك أن يستخدم كل طرف أخطاء الآخر في الحد من شعبيته، وصولا إلى ما هو أكثر من ذلك إذا استدعى الأمر. هنا وجدت الأوساط الرسمية أمامها خصما يترنح، فراحت تدفعه أكثر فأكثر نحو السقوط، والترنح كان نتاج حسابات خاطئة ممن أداروا المشهد الداخلي في الجماعة، ولم يدركوا الحساسيات التي ينبغي عليهم أخذها في الحسبان، وظلوا غارقين في حالة الإنكار رغم تنبيهات المخلصين داخل الجماعة وخارجها. أسوأ ما يمكن أن تسمعه في هذا السياق هو شيطنة طرف، مقابل تنزيه كامل للطرف الآخر، كأن الأوساط الرسمية كانت تتمنى أن يكون الإخوان في أعظم درجات الأداء والذكاء، وهو كلام لا صلة له بالسياسة من قريب أو بعيد، فضلا عن ترديد مقولات تقليدية بائسة في تبرير الحملة أو توقع المزيد منها؛ لا صلة لها بالتنافس الإنساني التقليدي في عوالم السياسة. في السياق الأخير سمعنا عن رسالة المراقب العام لقواعده، وأنها تحمل النفَس “القطبي”، نسبة إلى سيد قطب، بحسب تعبير الكثيرين، ولا أدري بأي منطق تُقرأ سياسات الجماعات والأحزاب والتنظيمات من خلال رسالة عابرة كتبت في لحظة غضب دون تشاور مع القيادة، وهي رسالة لاقت ردودا سلبية من كثير من أعضاء الجماعة وقادتها قبل أن يهاجمها الخصوم والمحايدون. الرجل الذي كتب الرسالة ليس طارئا على الجماعة هنا، ورغم قناعتنا بدوره في الأخطاء المشار إليها (القيادة جماعية في الإخوان)، إلا أن الكل يعرف أنه لم يكن في أي يوم “قطبيا” بالمفهوم الذي يردده كثيرون، كما أن الجماعة لم تكن في أي محطة من محطاتها “قطبية” النهج؛أيضا بالمعنى الذي يفهمون، بل هي مع المشاركة على كل صعيد، ولم يُعرف عنها منطق التكفير كذلك. أما الأسوأ في قراءة الرسالة فهو استغلال تشبيهها ما جرى هنا بما جرى للحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة عام 48، وهو تشبيه بائس أيضا؛ انتقده الإخوان قبل غيرهم، بالقول إن ذلك يؤكد تبعية الحركة لحماس، واعتبار فلسطين أولويتها، وذلك لعمرى ضرب من الكلام البعيد كل البعد عن الحقيقة، فماذا فعلت الجماعة هنا لحماس، وماذا قدمت، وأي ارتباط يتحدثون عنه؟! ثم ما الذي تغير في سياستها الداخلية، وكذا حيال فلسطين بين هذه مرحلة القيادة الحالية، وبين14 عاما قبلها كانت تحت قيادة مراقبينومكتب تنفيذي من لون مختلف؟! أما الحديث عن مواقف سابقة للجماعة أيام الربيع العربي، فهي ابتداء جزء من حراك عام في الشارع(كان همّا محليا لتذكير من يتهمونها بالتخلي عن الهمّ الوطني)، وكان ذو صلة بأجواء إقليمية، وهذا طبع السياسة؛ تتغير فيها المواقف بحسب الظروف الموضوعية، وإلا فلماذا نرى أناسا كان حديين أيام الربيع العربي، وذهبوا أبعد من قيادة الجماعة؛ثم غيروا مواقفهم بعد ذلك، لكن أحدا لا يذكّر بمواقفهم القديمة؟ أليست هذه هي السياسة؟ ألم يتحوّل معارضون جذريون في أزمنة ماضية إلى أركان في الحكومات وسائر المؤسسات؟ من يخطئ في السياسة يتحمل نتائج أخطائه، وقيادة الجماعة الحالية أخطأت كثيرا في إدارة شأنها الداخلي، لكن المواقف الرسمية حيالها تستدعي مزيدا من الحسابات ذات الصلة بالوضع الداخلي والخارجي والبدائل المتوقعة. وها إن جماعة على درجة عالية من الجذرية في المغرب مثلا، هي جماعة العدل والإحسان، لا زالت تعمل في العلن، وإن بدون ترخيص، بينما للجماعة هنا حزب مرخص، ويمكنها الاندماج فيه بالكامل، مع بقاء البنية الدعوية لأغراض التربية وحسب. وفي العموم، مشهد المنطقة كله متغير، ولا أحد يدري طبيعة مآلاته على وجه الدقة، ما يعني أن احتفال بعض خصوم الإخوان المدمنين بما يجري لهم كأنه النهاية قد يكون احتفالا مبكرا أو مؤقتا؛ وقد يكون مبررا أيضا. من يدري؟!
|
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة